ماجد سوره ميري.. حياة كُرست لخدمة الثقافة واللغة الكوردية

شفق نيوز/ سنوات طوال من عمر مليء بالامل، منطلقا من قرية في اقاصي مدينة خانقين ومتوجها الى قلب العاصمة بغداد، حمل هموم أمة ليكون واحدا من الذين تمسكوا بعمود من عمد اللغة الكوردية لتبقى شاخصة واقفة على قدميها، كادحا وساعيا لنشر رسالة اللهجة الكوردية الفيلية للعالم اجمع، يستمر ماجد سوره ميري في سرد ما يريد ان يقوله عن حياته مع اسرة شفق نيوز.
- من هو ماجد سوره ميري؟
اسمي الكامل (ماجد محمد صالحان) من عشيرة سوره ميري، ولدت عام 1965 في قرية (دارا-خليل فتح الله) التابعة لقضاء خانقين، لحين بلوغي 11 عاما من العمر مررت بمرحلتين متضادتين، فالاولى كانت سعيدة والاخرى تعيسة، المرحلة الاولى تزامنت مع نجاحات الثورة الكوردية بقيادة الملا مصطفى بارزاني وتوقيع اتفاقية آذار عام 1970، وكانت خانقين مركزا للاشعاع القومي الكوردي وكانت واحدة من اهم منجزاتها ان الدراسة في المرحلة الابتدائية اصبحت بلغتنا الام اللغة الكوردية.
وانا التحقت بالصف الاول الابتدائي خلال العام الدراسي 1971-1972 في مدرسة (كاوه) الابتدائية المختلطة الواقعة في قرية (مبارك) القريبة عن قريتنا وسارت الامور بشكل طبيعي الى ان وصلت للصف الرابع الابتدائي باللغة الكوردية، الا انه في عام 1974 تجددت الثورة وحققت انتصارات عظيمة انهكت النظام البعثي الذي رضخ لشاه ايران ومنحه نصف شط العرب واراض شاسعة من الحدود العراقية مقابل ان يدير الشاه ظهره للكورد ويعادي ثورتهم من خلال توقيع اتفاقية السادس من اذار المشؤومة عام 1975 في الجزائر.
وهنا ابتدأت المرحلة الثانية من حياتنا وهي مرحلة التعاسة والكوارث، وكانت اولى خطوات التي قام بها النظام البعثي هي الغاء الدراسة الكوردية في خانقين وتحولها فورا الى الدارسة باللغة العربية التي لم نكن نفهم منها شيئا حينها، وقام ايضا بنقل جميع الموظفين والمعلمين والمدرسين والعمال الحكوميين الكورد الى مناطق وسط وجنوب العراق.
ولم يكتف بذلك بل اقدم على جريمة اكبر وهي ترحيل جميع القرى الكوردية المحيطة بخانقين الى وسط وجنوب العراق بشكل متوحش، وهكذا تم ترحيل قريتنا التي كانت تضم حوالي 45 عائلة خلال يومي 17 – 18 تشرين الاول 1975، من خلال حشرهم في سيارات (زيل) العسكرية الروسية التي توجهن بهم نحو الوسط والجنوب وتوزيع العوائل على مناطق (ناحية الوحدة) و(7 نيسان) ومفترق طرق ديالى – بغداد والقرى العربية في المنطقة والى عدد من مدن الجنوب مثل السماوة والحلة وغيرها. ليتمكن من القضاء على هويتنا القومية وتذويب لغتنا.
وانا في هذه المرحلة كنت في الصف الخامس الابتدائي الذي اجتزته بنجاح بشق الانفس في ناحية الوحدة، ومن ثم ارتحلت عائلتنا الى حي الاكراد في بغداد وهناك انهيت الصف السادس الابتدائي، ثم اكملت المتوسطة والاعدادية في حي جميلة وفي العام الدراسي 1985-1986 تم قبولي في قسم اللغة الفرنسية في كلية الاداب بالجامعة المستنصرية وحصلت على شهادة البكالوريوس.
وانا منذ طفولتي كنت اهوى الفن والادب والثقافة الكوردية وانهمكت فيها لمدة طويلة، وقمت مع بعض رفاقي بالعديد من الفعاليات بعيدا عن اعين ازلام النظام.
- منذ كم عام وانت تعمل مع فريق شفق نيوز؟
بعد اسقاط النظام الدكتاتوري، وفتح فضاء الحرية، وعندما علمت بان نخبة من الشباب الكوردي الفيلي طرحوا مشروعا ثقافيا في مطلع عام 2004، وحينها كنت اعمل في سوق الجملة في الشورجة مستأجرا محلا ومنهمكا في العمل التجاري، فقمت على الفور بزيارة هؤلاء الاخوة، فعلمت ان العمل في مؤسسة شفق يكون باللغة الكوردية باللهجة (الفيلية) او الكوردية الجنوبية من دون تمييز مناطقي، قررت فورا ترك العمل التجاري واتفرغ لاكون جزءا من اسرة (شفق) منتصف عام 2004، فعملت في جميع مفاصل المؤسسة بدءا من الاذاعة ومرورا بالصحف والمجلات والموقع الالكتروني وانتهاء بمجلة (گوڵ سوو) التي بذلت فيها قصارى جهودي وتدرجت من سكرتير تحرير الى مدير تحرير واخيرا نائبا لرئيس تحريرها وهي مجلة استطيع ان ازعم بانها الوحيدة في العالم تصدر باللغة الكوردية باللهجة الفيلية والكوردية الجنوبية النقية، وهي واحدة من اهم اعمال مؤسسة شفق، بالاضافة الى الكتابة والترجمة والمشاركة في المؤتمرات والندوات والبحوث والنشاطات الثقافية والاجتماعية المتنوعة فيها. وفي عام 2011 عندما انطلقت وكالة (شفق نيوز) للانباء كنت واحدا من العاملين فيها ومازلت الى الان اواصل الخدمة فيها.
- ما الذي ادى بك للاستمرار مع شفق نيوز كل هذه المدة؟
حقيقة، ان الذي يجعل الانسان يواصل العمل في اي مجال معين دافعان: الاول عشق وحب العمل والثاني خدمة الرسالة وبرنامج العمل في سبيل الوصول الى تحقيق اهدافه، وانا من عشاق العمل الصحفي والاعلامي، وانا اعد نفسي خادما مخلصا للاهداف والرسالة الانسانية التي تسعى لتحقيقها وكالة شفق نيوز من اجل احياء شريحة الكورد الفيليين المظلومين في وسط وجنوب العراق.
- اي موقف او قصة لا تنساها خلال العمل في شفق نيوز؟
من المؤكد ان اي عمل في الدنيا يمر بمراحل متعددة ومختلفة، وتختبر الكثير من المراحل الحلوة والمرّة، والعمل الاعلامي والصحفي هو بحد ذاته مهنة المتاعب الجمة، فكيف اذا كان العمل في مدينة مثل بغداد التي مرت بمراحل مختلفة من الازمات السياسية والاقتصادية والامنية والاجتماعية ومازالت، ولكن لاننا توجهنا للعمل بعشق وعملنا كفريق اخوي لم نسمح في اي وقت لاي شيء ان يمنعنا من مواصلة عملنا.
نعم هناك ما كان يقلقنا في مرحلة تاريخية شهدت الازمات المالية، كون الشريان الحيوي لاي عمل وخصوصا العمل الصحفي هو الجانب المالي؛ ولكن والحمد لله وبهمة القائمين على المؤسسة ورعاية السيد نيجيرفان بارزاني، استطعنا مواصة اعمالنا ونسعى دائما لتطويرها.
- ماذا استفدت من تجربة العمل في وكالة شفق نيوز، وماذا تعلمت منها؟
ان العمل الصحفي وخصوصا العمل في وكالات الانباء يجعلك تختبر شعورين متناقضين ولكن متداخلين مثل الحلاوة والمرارة، تماما مثل اختلاط مرارة الشاي بحلاوة السكر، وذلك ما نختبره في تغطية حدث مر مع لذة وحلاوة انجاز العمل وكتابة الاخبار والتقارير بشكل جميل وطرحها امام انظار القارئ والمتلقي في ابهى صورة واسرع وقت.
ووكالة شفق نيوز بالنسبة لنا مدرسة حصل عشرات الشباب فيها على شهادات مهنية واحترافية، وانا مثل اي عامل في هذه المؤسسة تعلمت ان الحصول على رضا الناس على الرغم من صعوبته الا انه ممكن اذا احترمنا خصوصيات الناس مثلما نحب ان يحترموا خصوصياتنا.
وقراء ومتلقي شفق نيوز يشهدون لنا كم نحن صادقون معهم ولا نسعى ابدا لخداعهم.
- عدا العمل في شفق نيوز، ماهي نشاطاتك الاخرى وبم تهتم؟
ان الشأن الثقافي وخدمة اللغة الكوردية كان همي الازلي ويبقى همي الابدي، واينما وجدت الفرصة والمجال وكانت لدي المقدرة والقوة سعيت للخدمة فيها، وهكذا بالاضافة الى العمل في شفق نيوز، اعمل في دار الثقافة والنشر الكوردية احدى تشكيلات وزارة الثقافة والسياحة والاثار في بغداد، مديرا لقسم التأليف والنشر، وخلال اكثر من عشر سنوات اشرفت على صدور عشرات الكتب الثقافية التي ابدعها الكتاب الكورد والمهتمين بالثقافة الكوردية.
وعلى الصعيد الشخصي صدر لي كتاب مطبوع واخر جاهز للطباعة فضلا عن كتابين اعمل على اتمامهما في اقرب فرصة.