"كاک نصر الله".. صوتٌ من إيلام إلى بغداد يجمع بين النقد والإضحاك في آنٍ واحد

شفق نيوز/ بين رقّة الشعراء وأحلامهم الرومانسية، وزهو المشاهير بإبداعاتهم، ودبلوماسية السياسيين وطموح المناضلين وهمومهم، يطلّ العم نصرالله آذرپیرا (سبيل) الكوردي البهلوي الفيلي الدهلراني، بصوته الجهوري الخارج من بين شاربيه الكثّين، ليُحدث فارقاً يدفعك للابتسام وسط ما يتراكم عليك من هموم وأحزان.
استضافته وكالة شفق نيوز في حوار موسّع ليقول ما لم يقله من قبل عبر مقاطعه المصوّرة في مواقع التواصل الاجتماعي؛ فهو يُعَدُّ واحداً من أكثر الناشطين تأثيراً ومتابعة في محافظة إيلام الفيلية.
حيث يشير في بداية حديثه: "ليست هناك حاجة لتعريف نفسي. في أي مكان في محافظة إيلام إذا قلت (کاک سبيل)، سيجيبونك: تقصد (کاک نصر الله)، هذا صديقنا! وهذه نعمة كبيرة بالنسبة لي. أفضل تعريف لي هو ما يقوله الناس: (صديق الجميع). وهذا أعظم شرف أعتز به".
شفق نيوز: أنت معروف كشخصية عامة وناشط على مواقع التواصل الاجتماعي. حدّثنا عن الرسائل الصوتية التي ترسلها إلى السلطات.
نصر الله: "أنا ناشط اجتماعي، أشعر بالألم كلما رأيت أي صورة للألم: سواء أكان ثعلبًا عاجزًا دُمّر جحره، أم طفلاً جائعًا، أم أزمة شحّ المياه أو غير ذلك. من حين لآخر، أخاطب المسؤولين وأوبّخهم عبر شكواي الصوتية. أريدهم أن يدركوا أنّ المعنى الحقيقي للمسؤولية هو أن يكونوا مسؤولين أمام الناس، فلا ينسوا أنهم في خدمة المجتمع لا فوقه".
شفق نيوز: وماذا عن دورك الفني؟
نصر الله: "أنشر العديد من المقاطع الصوتية والمصوّرة باللهجة الكوردية البهلوية (المعروفة أيضًا بالفيليّة أو الكوردلية في دهلران). أغلب هذه المقاطع تحمل طابعًا كوميديًا ساخرًا ممتزجًا بالألم، حيث أنتقد من خلالها عادة سيئة أو ظاهرة خاطئة بشكل فكاهي. أحيانًا أكون أنا الضيف في تلك المقاطع. وأنا فخور بأن هذه اللهجة تعود إلى الملوك الكورد البهليين الساسانيين، الذين امتد نفوذهم ما بين النهرين وصولاً إلى المدائن وبغداد، وبعد التعريب صارت تُعرف بـ(فيلي). هذا دليل واضح على أن الكورد البهلويين في إيلام والكورد الفيليين في العراق هم شعب واحد".
شفق نيوز: حدّثنا قليلاً عن دهلران.
نصر الله: "دهلران هي مهد البيئة المشتركة بين الكورد ولورستان والعرب، وأنا فخور بكوني ولدت في مكان يتمتّع بتناغم وانسجام مميز بين مختلف اللغات واللهجات والثقافات".
"أنا أنتمي لقبيلة جايروند البالوية، التي يُرجّح أنها تنطق (بهلوي/بَهْليّي/فيلي)، وهي من أقدم القبائل الكوردية المقيمة في سهل دهلران. يُعرف هذا السهل عمومًا باسم (بين النهرين) بسبب كثرة تلاله وآثاره التاريخية التي تعود إلى عصور ما قبل التاريخ".
"امتد وجود قبيلتنا إلى واسط والعمارة وشرق دجلة، وأنا فخور بأبناء جلدتي وخاصة الشعب الكوردي في شرق دجلة الذي عانى قرابة نصف قرن من بطش نظام صدام حسين، عبر الدفن حيًّا والقتل والتهجير والتعريب... ومع ذلك بقي اسم الكورد الفيليين حيًّا، فهم أصلًا من شرق دجلة، ولم يأتوا مهاجرين إلى العراق خلافًا لدعايات المسيئين".
"صُدمت عندما رأيت أنه رغم كل الظلم الذي واجهوه، لم يفكر الكورد الفيليون في الانتقام، بل حرصوا على إعادة ترسيخ أنفسهم في العراق الجديد بصورة إيجابية. وبخلاف كثير من المناطق التي شهدت حروبًا عشائرية وطائفية، حافظ الكورد الفيليون والعرب في جنوب شرق العراق على روح التعاون ومنعوا نشوب نزاعات عشائرية".
شفق نيوز: هل تواصلت مع الكورد الفيليين في العراق؟
نصر الله: "رغم أن هناك ارتباطات عائلية متفرقة، فالجواب للأسف: لا!".
شفق نيوز: ولماذا؟
نصر الله: "كان من المتوقع أن تولّد العلاقات الاقتصادية المتينة بين أبناء العمومة على جانبي الحدود مزيدًا من الرخاء للمنطقة. لكن هذا لم يحدث بسبب غياب البنى التحتية المناسبة".
شفق نيوز: ما السبب في رأيك؟
نصر الله: "ربما لا يمكن تحميل الناس مسؤولية هذا الأمر؛ إذ يتطلب الأمر بنية تحتية قوية، وهو ما لا يتوافر حاليًا. أتمنى من سلطات محافظة واسط (في العراق) إنشاء البنية التحتية اللازمة لإقامة أسواق حرة على جانبي الحدود. وإذا تعذّر على الحكومات تنفيذ هذا المشروع، فبإمكان المستثمرين الأجانب استغلال الفرصة. كذلك يمكن لأبناء عمومتنا من الكورد الفيليين تشجيع الشركات العالمية العاملة في العراق، خصوصًا في الجنوب، على تبني مشاريع ومبادرات اقتصادية تعزّز المسؤولية الاجتماعية وتخدم المنطقة الحدودية".
دعوة للتعاون والمبادرات المشتركة
نصر الله:
"أدعو المسؤولين المحليين والناشطين الاقتصاديين والاجتماعيين في واسط والبصرة وديالى والعمارة والناصرية للاهتمام بأهالي هذه المناطق والتخفيف من حدّة الفقر. ولا ينبغي أن تكون اهتماماتهم محصورة بالأعمال الضخمة فقط، بل على المدى الأصغر أيضًا، لما فيه منفعة الجميع".
"أتمنى إقامة مهرجانات فنية وبطولات رياضية في واسط بحضور أهالي إيلام، لإحياء ذكرى شهداء الكورد الفيليين، وكذلك تخليد المدنيين الإيلاميين الذين سقطوا ضحايا خلال الحرب العراقية الإيرانية، كي نتذكر دائمًا أن مهمتنا التاريخية هي غرس شجرة الصداقة، لا بذور العنف. علينا أن ننبذ العنصرية ونحارب سياسات القمع، وأن نحمي أمن سكان الحدود على الجانبين".
"حين أسمع أحيانًا بأن فريق كرة قدم من مهران يذهب إلى الكوت أو العكس، أشعر بالفرح. فلماذا لا تتبنى حكومتا إيران والعراق، أو أصحاب المصانع والأغنياء، رعاية المزيد من المنافسات الرياضية بين محافظتي إيلام وواسط؟".
"إن مشاريع التعاون الاقتصادي والثقافي والاجتماعي بين الجانبين ستزيد من قدرات أهل المنطقة، وتضمن أمنًا مستدامًا. إضافةً إلى بناء المنشآت العسكرية على جانبي الحدود، بإمكاننا إنشاء أسواق حدودية مشتركة ومصانع ومصافي لاستثمار النفط والغاز بشكلٍ عادل. إنشاء بعض الملاعب والمهرجانات والمسابقات المشتركة يُعدّ أساسًا راسخًا لأمنٍ متبادل، سواءً كان أمنيًا أو اقتصاديًا أو نفسيًا".
دعوة مفتوحة إلى دهلران
نصر الله: أرجو من كل العراقيين الأعزاء إن جاؤوا إلى دهلران، أن يتوقفوا عند بيت ضيافتي، تحت الخيمة الكوردية. سأقدّم لكم الزبدة الكوردية الخاصة واللبن والكباب، وأصحبكم في جولة بالمكان الذي أعددته للسياحة البيئية عند مدخل المدينة".