في ذكرى الفاجعة.. زوايا النظر في ابادة الكورد الفيليين

صادق الازرقي/ تمر في شهر نيسان 2025 الذكرى السنوية الخامسة والأربعين لجريمة الإبادة الجماعية بحق الكورد الفيليين بقرارات النظام المباد السابق المتعلقة بترحيلهم وإبادتهم.
وبعيدا عن أي اعتبارات سياسية، فإن قضية ترحيل الكورد الفيليين القسري "وقتل اعداد كبيرة منهم" في زمن نظام صدام حسين تمثل انتهاكا جسيما لحقوق الإنسان وتستحق البحث والتحليل من زوايا متعددة، تمكن المعنيين بالشؤون الانسانية والباحثين في مصائر الشعوب من تتبع هذا الملف الهام والقاء الضوء على مخرجاته والتضامن مع ضحاياه وانصافهم.
فمن زاوية القانون الدولي وحقوق الإنسان كان الترحيل القسري للكورد الفيليين جريمة ضد الإنسانية بموجب القانون الدولي، الذي يعرفه بانه، الإبعاد الدائم أو المؤقت للأشخاص و/ أو أسرهم و/ أو المجتمعات المحلية، من المنازل و/ أو الأراضي التي يشغلونها، ضد إرادتهم ومن دون توفير أشكال مناسبة من الحماية القانونية أو غيرها من أشكال الحماية الأخرى، ومن دون إمكانية الوصول إلى الحماية، بحسب لجنة حقوق الإنسان للأمم المتحدة، القرار 77/1993، والمعاهدات ذات الصلة وإمكانية تصنيفه كجريمة ضد الإنسانية.
لقد وقعت انتهاكات حقوق الإنسان الأساسية للكورد الفيليين في أثناء الترحيل وبعده ومن ذلك انتهاك الحق في الجنسية، الحق في حرية التنقل، الحق في الملكية، الحق في لم شمل الأسرة، والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي جرى انتهاكها.
الامر الآخر هو تحديد مسؤولية الدولة العراقية عن الانتهاكات المرتكبة بحق الكورد الفيليين في ظل القانون الدولي؛ وتتبع مبادئ مسؤولية الحكومات عن أفعالها غير القانونية والتزاماتها تجاه الضحايا.
كما يجب تناول آليات جبر الضرر والتعويض لضحايا الترحيل القسري من الكورد الفيليين في القانون الدولي، باستعراض الآليات القانونية المتاحة لتقديم الجبر والتعويض للضحايا على المستويين الوطني والدولي.
كما يتوجب دراسة السياق التاريخي لترحيل الكورد الفيليين وأسبابه المعلنة والخفية، بدراسة الظروف السياسية والاجتماعية التي أدت إلى قرار الترحيل والدوافع الحقيقية وراءه.
ويجب الركون الى روايات وشهادات الناجين من الترحيل القسري للكورد الفيليين وتأثيره على حياتهم ومجتمعاتهم، و جمع وتوثيق قصص الضحايا وتأثير هذه التجربة على هويتهم ونسيجهم الاجتماعي.
ويجب ابراز دور الذاكرة الجماعية في الحفاظ على هوية الكورد الفيليين ومطالباتهم بالعدالة، والبحث في كيفية تداول الذاكرة التاريخية لهذه المأساة وأهميتها في تحقيق المصالحة والاعتراف بحقوقهم.
ويتوجب تناول تأثير ترحيل الكورد الفيليين في الأدب والفن والإعلام ودوره في إبقاء القضية حية، بدراسة كيف جرى تناول هذه القضية في شتى أشكال التعبير الثقافي وتأثير ذلك على الوعي العام.
ومن زاوية علم الاجتماع والأنثروبولوجيا، يجب البحث في التكوين الاجتماعي والثقافي للكورد الفيليين في العراق قبل الترحيل وتأثير التهجير على هذا التكوين، ودراسة خصائصهم الاجتماعية والثقافية وكيف أثر الترحيل على بنيتهم وعاداتهم وتقاليدهم.
وكذلك البحث في عمليات الإدماج والتكيف للكورد الفيليين في المجتمعات الجديدة بعد الترحيل، و التحديات التي واجهتهم في بلدان المهجر وكيف استطاعوا بناء حياة جديدة والحفاظ على هويتهم.
وهناك جانب التداعيات النفسية والاجتماعية للترحيل القسري على أفراد وعائلات الكورد الفيليين، بدراسة الآثار النفسية طويلة الأمد للصدمة والنزوح والتباعد الأسري.
وفيما يتعلق بدور المنظمات المدنية والمجتمعية في دعم حقوق الكورد الفيليين ومناصرة قضيتهم يتوجب تسليط الضوء على جهود المنظمات غير الحكومية في تقديم المساعدة للضحايا والمطالبة بالعدالة.
ومن الضروري البحث في آليات العدالة الانتقالية الممكنة لتناول قضية ترحيل الكورد الفيليين وكشف الحقيقة، والتركيز على المحاسبة، والتعويض، والإصلاح المؤسسي، بالبحث في الأدوات والعمليات التي يمكن استعمالها لتحقيق العدالة لضحايا الانتهاكات.
كما يجب التركيز على أهمية الاعتراف الرسمي بترحيل الكورد الفيليين كجريمة وانتهاك لحقوق الإنسان، كخطوة نحو المصالحة الوطنية، ومناقشة دور الاعتراف في جبر الضرر المعنوي وبناء الثقة.
وفي مجال تحديات تحقيق المصالحة في سياق الانقسامات المجتمعية الحالية في المجتمع العراقي وتأثير قضية الكورد الفيليين عليها، بدراسة العقبات التي تعترض طريق المصالحة وكيف يمكن تجاوزها.
اما في مجال التعليم والمناهج الدراسية فان للقضية دور كبير في تعزيز الوعي بقضية الكورد الفيليين وأهمية تضمينها في التاريخ الوطني، بالتركيز على أهمية نقل الحقيقة للأجيال المقبلة ومنع تكرار مثل هذه الانتهاكات.
ان مظلومية الكورد الفيليين وما لاقوه من تهجير وابادة وسجن وقتل شبابهم قضية كبيرة وخطيرة لا ينبغي التهاون في ابراز قسوتها وتشعباتها الكثيرة؛ لأنها تتعلق بمصير اناس ابرياء لم يكن لهم كمجموعة بشرية دخل في صراعات القوى السياسية التي مرت بتاريخ العراق، وما كان ينبغي ان يعاقبوا جماعيا، كما يجب اضاءة تاريخهم ودورهم الهام في الحياة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية في العراق بجميع تشعباتها.
ومقابل لذلك، لا ينبغي التهاون في فضح الجهات التي تسببت في معاناة مئات الوف الكورد الفيليين قتلا وتهجيرا وتغييبا لحقوقهم الانسانية المتعارف عليها.