عرض لـ"ثلاث عشرة مرة متُ فيها".. مجموعة قصصية بنكهة فيلية

عرض لـ"ثلاث عشرة مرة متُ فيها".. مجموعة قصصية بنكهة فيلية
2025-07-02T09:48:45+00:00

شفق نيوز - عرض خاص

صدرت عن دار منشورات جلجامش في بغداد الطبعة الاولى من كتاب "ثلاث عشرة مرة مت فيها"، وهو مجموعة قصصية للكتابة الفيلية افين اسكندر.

وضمت المجموعة ثلاث عشرة قصة مع مدخل وتمهيد، أرادت الكاتبة من خلالهما إيصال فكرة حول النصوص القصصية الواردة بهذا الكتاب الذي هو من وحي الخيال لا الواقع كما ذكرت المؤلفة في التمهيد.

والمثير للدهشة في الامر، هو ان من يقرأ القصص سيجدها جميعا منبثقة من رحم الواقع بكل ما فيه من معاناة وماساة رصدت القاصة بعضاً منها.

ويمكن من خلال الاطلاع على مقدمة الكتاب التوصل الى حقيقة، ان الواقعية الافتراضية التي بنيت عليها المجموعة القصصية هي الواقع نفسه مضافا له المحذوف من ذهنية الكاتبة التي أرادت اقصائه عن المشهد المأساوي لا لأسباب تتعلق بفنية الكتاب، بل لعدم القدرة على استيعاب الوقائع العجيبة من الوحشية المفرطة التي لحقت بالإنسان العراقي.

 تبرز في هذا الكتاب اشكالية التاريخ التقريري بمعنى التاريخ الذي يسرد الأحداث والوقائع كما هي دون رؤية او انعكاس، بعكس التاريخ المدون فنياً الذي لايكتفي بسرد الاحداث بل يحاكيها برؤية يبدو فيها تأثير الأحداث واضحاً، وبذلك يكون التاريخ الفني أكثر عمقاً من سرد الأحداث من التاريخ المدون، إذ يمكن من خلاله الاستدلال على الوقائع بشكل جلي كما في منجز الشعر العربي والروايات التي ارخت مراحل سياسية وثقافية ورصدت أهم منعطفاتها وانتهت الى خلاصة تمكن الباحثين من الاستشهاد بها واستنباط النتائج منها.

في مجموعة ثلاث عشرة مرة مت فيها، يبدو هذا المفهوم واضحاً، فالافتراضية التي اتكأت عليها الكاتبة في قصصها لم تكن سوى واقع انسحب بشكله الجمعي على ذهنية ونفسية الكاتبة وشكل اطاراً لانتظام صور واحداث حاولت استرجاعها بقراءة تبتعد عن التصريح والاعلان، بمعنى انها ادانة عميقة تطلقها الكاتبة لحملات القتل والتهجير والابادة الجماعية التي حدثت للمكون الفيلي ابان النظام البائد، ولعموم العراقيين في الفترات اللاحقة.

ويُسجَّل للكاتبة حالة التماهي في سرد احداث الوقائع المؤلمة للفيليين وقراءة عميقة لافكار العصابات الارهابية.

وفي المفهوم الأخير تبتعد الكاتبة عن استخدام المفردات السائدة في لغة الإعلام والصحافة للتوغل عميقاً داخل الشخصيات "الارهابية" والأسس الفكرية التي يستندون عليها والتي تبرر لهم القتل والاغتصاب وتجعله مشروعاً.

يؤدي التماهي دوراً في بلورة افكار الكاتبة التي تندد بظلامية تلك الافكار التي تتجاوز على المنطق وتستخف بالعقل لتخرج بعد ذلك بصرخة مدوية تطلقها بصمت ضد عالم يبرر الجريمة، كما في قصة تمارين في التوحش التي خلصت إلى ان الناس لم يخلقوا قتلة ومجرمين، بل يكون ذلك بفعل ظروف معينة.

ما تريد أن تقوله الكاتبة في هذه القصة هي أن الإرهاب صناعة تمت باستغلال ظروف الناس، وثمة مفارقات ذهنية اعتمدتها الكاتبة بهذه المجموعة، بنيت على الهوة السحيقة القائمة بين النوازع الأنثوية الذاتية الشفافة، وبين عالم مفعم بالوحشية.

وتبرز الاليات الفنية من الحبكة والسرد هذه المفارقة بشكل جميل، ولكن من دون إظهار التفاصيل الدقيقة التي يبرزها الفن القصصي اكثر من سواه باستخدام أسلوب التداعي الحر مثلاً او اسلوب الاسترجاع (الفلاش باك)، وهما أسلوبان عالميان برع فيهما الكاتبان، وليم فوكنر وجيمس جويس واسسا مدرسة مهمة في القصة والرواية بهذا الاتجاه.

اكتفت افين اسكندر بالسرد القصصي التقليدي، لكنها اوجدت في كل قصة من قصص المجموعة بؤرة تتمحور نحوها القصة لتشكل مجموع البؤر وحدة المعنى للمجموعة القصصية كلها، بمعنى أن المجموعة تمتلك الخصائص الفنية والموضوعية للكتاب.

ويمكن من خلال قراءة بعض عناوين قصص المجموعة مثل: باب الرحمة ، دميتي، شفاه مغمسة بالدم، النافذة التي لا تنفتح، بين الضلوع مقبرة ، الطائر المقتول وتابوت وحلم، تسجيل بعض النقاط الأساسية وأبرزها، العناوين التي تقود الى المضامين مباشرة، والاشتغال الواضح على إظهار القضايا المأساوية والمفارقات التي خلقت جوا فنيا متوترا داخل النصوص القصصية، خاصة في قضية تهجير الفيليين واغتيال شخصياتهم والاستحواذ على أملاكهم وسجنهم، الى جانب الانثى الطافحة بالجمال والحلم، مقابل الخوف والسجن  والقتل وهما عالمان متضادان يشتعلان داخل الذات الانسانية للكاتبة.

سجلت المؤلفة في بعض نصوصها القصصية وقائع حصلت في ثمانينيات القرن الماضي، لم تصرح بها ولم تشر الى زمنها او مكانها، لكنها خلقت مناخاً قصصياً يؤشر ذلك بوضوح، بينما شخصت المؤلفة وقائع اخرى حدثت في السنوات القليلة الماضية، (الارهاب) زمن تلك الأحداث، ويعتقد أن ذلك يعود الى اشتغالها على المفهوم الأيديولوجي والتركيبة النفسية للشخصيات الإرهابية الذي دعاها الى الوصف المباشر في المستوى الثاني لمضامين القصص.

وما يحسب لهذه الكاتبة التي استعرضنا مجموعتها من دون الغوص في التفاصيل، انها لم تطلق تسميات قومية أو مذهبية على الشخصيات القصصية، لأنها أرادت على ما يبدو ترك الأفعال والسلوكيات تتحدث بوضوح.

وخلاصة ما يمكن قوله في ختام هذا العرض الموجز للمجموعة، أنها لم تكن مجرد سرد أحداث أو شخصيات تؤدي دور البطولة في القصص، إنما هي وعي بالواقع ومحركاته والمنظور الإيديولوجي للصراع والذي يبقى مفهومه واحداً رغم اختلاف الزمن والمسميات.

Shafaq Live
Shafaq Live
Radio radio icon