دياكو إيلامي.. حين يتواءم الشعرُ والشاعر

دياكو إيلامي.. حين يتواءم الشعرُ والشاعر
2025-02-03T08:10:49+00:00

شفق نيوز/ عباس هوشمند الملقب فنيا (دياكو ايلامي) هو شاعر ومحترف فن القاء الشعر، بدراوي ايلامي يسكن طهران منذ سنوات طوال ولكنه معروف بقراءة والقاء قصائد الشعراء الكورد، وقدم خدمات كبيرة للغة والادب الكوردي وفتح افاقا جديدة امام هواة الثقافة الكوردية.

عباس هوشمند، الملقّب فنياً بـ(دياكو إيلامي)، أحترف فنّ إلقاء الشعر، ينحدر محافظة إيلام الفيلية، ويقيم في طهران منذ سنوات، عُرف بقراءة وإلقاء قصائد الشعراء الكورد، وقدّم إسهامات ملفتة للغة والأدب الكوردي، وفتح آفاقاً جديدة أمام المهتمّين بالثقافة الكوردية.

في هذا الحوار، نستعرض آراءه ونتاجاته وتجربته مع إلقاء الشعر.

- حدّثنا عن نفسك قليلاً

: أنا أقطن طهران منذ ثلاثين عاماً، عملتُ في البداية في الإذاعة، وكنت أقرأ الشعر الفارسي، ومنذ نحو سبع إلى ثماني سنوات بدأتُ بقراءة الشعر الكوردي، وقرأتُ حتى الآن قصائد لقرابة 120 شاعراً كورديّاً كتبوا باللهجات الكوردية الجنوبية والهورامانية والسورانية.

- خلال هذه المدة، كيف وجدت العلاقة بين كتابة الشعر وفن إلقائه؟

: إذا قلت إن الإلقاء أصعب من كتابة الشعر والغناء، فلا أعتقد أنني جانبت الحقيقة.

- لماذا؟

: لأن الشعر ينبع من مشاعر الشاعر نفسه، ومن وحي خياله، وبما يتناسب مع ذائقته الشعرية؛ أمّا الملقي فعمله صعب، إذ يتوجّب عليه أن يقرأ قصائد شعراء متنوعين، ويتناغم معهم، ويلج إلى أعماق القصيدة. أثناء الإلقاء، نتوحّد أنا والشعر: أتحوّل أنا إلى شعر، ويغوص الشعر في أعماقي.

صعوبة أخرى هي أن الشاعر يكتب لنفسه وبلهجته ولغته الأم وبحسب عواطفه ومزاجه؛ في حين يُفترض بالملقي أن يتوافق مع هذه الأحاسيس واللغة ليؤدي الإلقاء بحرفيّة وصميميّة. وهذه العملية تتكرّر مع كل قصيدة جديدة، ما يتطلّب من الملقي أن يتقمّص الشاعر كلّ مرّة، وهي مهمّة ليست سهلة.

من أجل ذلك، كلّ مرّة أقرأ الشعر أكرّر الأبيات ألف مرّة كي تتحسّن طريقة الإلقاء، وأتعمّق في الأجواء الشعورية المرافقة للقصيدة. إنها عملية مرهقة للروح والجسد، لكنّ متعتها تكمن في أنّ هذا الإلقاء يبقى إلى الأبد؛ وحين تشاهد التسجيل المرئي أو تسمع الصوت المسجّل، تشعر بالراحة والرضا الداخلي.

- لماذا اخترت العمل الكوردي؟

: أنا دائماً أقول إنّ أي شخص يخدم ثقافة ولغة الكورد يخدم نفسه أولاً ثم أسرته ومجتمعه. من هذا المنطلق وهذه الرغبة دخلتُ إلى العمل الكوردي، وإلّا فإن الإلقاء في شتّى اللغات ليس له مردود مادي، وفي الكوردية على وجه الخصوص يكون أقلّ. العمل الكوردي مُكلف، وأنا أفتخر بأنني عشتُ وجهدتُ في هذا الفن. على الرغم من أنني لم أجمع ثروة منه، فقد استطعتُ أن أضيف شيئاً إلى ثروة اللغة والفن الكوردي.

- كيف جعلت من هذا العمل مهنة لك؟

: في البداية، قبل أكثر من عشر سنوات، لم أتمكن من الوصول إلى الكتب الكوردية بسهولة. كان لدي صديق يحمل بضعة صفحات من ديوان أشعار غلام رضا خان الأركوازي، فقام باستنساخها لي. حينها بدأتُ أتعلم الإملاء الكوردي وأكتب به. أصدقائي رودوس فيلي وكامران رحيمي ساعدوني أكثر في إنجاز الأعمال الكوردية بشكل مهني، ومن ثم قدّم لي بعض الأصدقاء الآخرين في كرماشان مساعدات إضافية.

مع انطلاق الفضاء الافتراضي بدأت انطلاقتي الحقيقية؛ أنا مدين لبرامج التواصل مثل واتساب وتلغرام والمنصات الأخرى، وما زلتُ أرى أن التكنولوجيا بمقدورها تعويض تأخّرنا. ينبغي ألّا نفوّت هذه الفرصة.

- أي تسجيلاتك الصوتية أو المرئية تفضّل أكثر من غيرها؟

: لا أفضّل أيّاً منها على الأخرى؛ فعموماً أحبّ الكليبات التعليمية التي أنتجتُها، وأهمها ما يتعلق بتعليم الإملاء الكوردي. على الرغم من قدرة الناس على التحدّث باللغة الكوردية، فإنهم ما زالوا ضعفاء في القراءة والكتابة بها؛ لذا علينا جميعاً أن نتعلّم الكتابة والقراءة بالإملاء الكوردي.

قالت فروغ فرخزاد: "وحده الصوت يبقى خالداً". وأنا أرى أن الشعر الكوردي يجب أن يخرج من بطون الكتب وينتشر على ألسنة الناس وفي كلّ الأرجاء. إنّ الصوت والإلقاء يجعلان الشعر أكثر انتشاراً بين الناس؛ لذلك أرى أن فن الإلقاء أهمّ من كتابة الشعر بحدّ ذاته، لأن الشعور والعواطف تتجلّى في الصوت أكثر من الكتابة. الصوت قادر على تحريك المشاعر لدى المستمعين والمتلقّين أكثر من الشعر نفسه.

أرى أيضاً أنّ الإلقاء أكثر حرفيّة من الشعر، لأن الشعر يعبّر عن مشاعر الشاعر فقط، بينما الإلقاء وكيفية القراءة يزيدان من جاذبية القصيدة عبر تكتيكات متنوّعة تساعد المتلقي على الفهم والإدراك بشكل أفضل.

خلافاً لغيري، أنظر إلى الإلقاء كفنّ قائم بذاته، وأشدد على ضرورة التخصص فيه وأقرأ الكثير من القصائد. أتوق إلى الشعر الجيد، وأسعى إلى قراءته كي يصل إلى قلوب الناس بدل أن يظلّ حبيساً في المكتبات أو الملفات الإلكترونية.

لا أرغب في حصر نفسي بقراءة عدد محدود من الأشعار كل شهر، لأنني حين أرى أنّنا ككورد نعاني ضعفاً في فن الإلقاء الحرّ والمحترف، أشعر بالألم وأخشى أن يضيع هذا الفن. لذا أكرّس نفسي للشعر الكوردي وأحاول أن أقدّم المزيد. أخاف إن لم أفعل ذلك فلن يقوم به أحد؛ وحينها لن تتوسّع دائرة انتشار الأشعار الكوردية، ولن يزدهر فن الإلقاء بالشكل المطلوب.

- الشعر أم الإلقاء؟ أيهما في المقدمة برأيك؟

: أراهما توأمين لا يمكن لأحدهما أن يبرز بقوّة دون الآخر. بالنسبة لي، أرى نفسي توأماً لشعر جميع الشعراء، وكذلك للفنانين الذين يعملون على تسجيل وتدوين وإنتاج كليبات الإلقاء الشعري. أتعامل معهم كأسرة واحدة، وآمل أن يترسّخ فن الإلقاء بين جميع الكورد كعمل احترافي ممتع يُظهر مهارات من يمارسه.

حتى الآن أمضي في هذا الطريق بلا توقّف؛ تعرّفتُ على قصائد الشعراء الكورد السورانيين والكورانيين والفيليين والكلهور واللك وقرأتها. وضعت لنفسي آفاقاً أخرى، منها قراءة الأشعار باللهجات اللرية والكرمانجية. وعلى الرغم من أنّني من بدرة في إيلام، لم أكن يوماً ممن لديهم تعصّب عشائري.

- أي المطربين يعجبك؟

: الأستاذ حسن زيرك بصوته المميز. منذ طفولتي كان نجمي الأبرز، وهو الذي دلّني على الفن الكوردي. وعلى الرغم من أنّه لم يكن يتقن القراءة والكتابة، فإن صوته الشجي والموسيقى الفولكلورية التي رافقته جذبتني إلى الكتابة باللغة الكوردية. قبل أكثر من ثلاثين عاماً، اقتنيتُ كتاب أغانيه، لكنني لم أكن أجيد القراءة بالإملاء الكوردي حينذاك، فاحتفظتُ بالكتاب وكأنه ديوان حافظ شيرازي. لاحقاً، وبعد عقود من سماع أغانيه، قررتُ تعلم الإملاء الكوردي لأتمكن من مقارنة الكلمات المغنّاة بما في الكتاب، الأمر الذي سهّل علي كثيراً تعلّم القراءة والكتابة باللغة الكوردية.

- ماهي الأمنية الكبرى لدياكو؟

: أتمنى تطبيق المادة (15) من الدستور الإيراني في إيلام أيضاً، ومنح أبناء إيلام حقّ تعلّم القراءة والكتابة باللهجة الكوردية المحلية. آمل أن أتمكن من زيارة تلك المدارس والتعرّف على تلاميذ يمتلكون أصواتاً جميلة وقدرة على الإلقاء كي أدرّبهم على هذه المهنة، فيصبح الجيل القادم أكثر احترافاً من جيلنا في هذا الميدان.

- كيف ترى أوضاع الشعر الكلاسيكي والفولكلوري الكوردي الجنوبي مع الشعر الحديث؟

: بادئ ذي بدء، لستُ شاعراً ولا ناقداً، إنما قارئ جيّد للشعر. أمّا عن المقارنة، فأرى أن الشعر الكوردي المعاصر أكثر تطوراً من عدّة نواحٍ مقارنة بالقديم. إذا تناولنا أشعار غلام رضا خان الأركوازي وشاكه وخانمنصور، وهم من أبرز القدماء، نجد أنها تقتصر غالباً على الهجاء أو رثاء الريف والطبيعة أو الحنين والبكاء على الأطلال أو تتخذ منحى دينياً وعرفانياً.

في المقابل، نجد أن الشعراء المعاصرين أكثر عدداً وأكثر تطوراً من حيث المضمون والشكل الشعري؛ إذ أدخلوا قوالب عالمية للشعر الحديث وطوّروا موضوعاته. كلما تقدمنا زمنياً، قد يميل جانب من اللغة إلى السطحية، لكن ثقوا بأن الشعر والفن الكورديين سيزدهران أكثر فأكثر.

- كلمة ختامية

: اشكر وكالة شفق نيوز التي تعد مركزا وحضنا ابويا تقوم بإحياء اسم الكورد والكورد الفيليين خاصة في بغداد والعراق، اصفق لكم واتمنى لكم الاستمرار والدوام.

دكلمه عباس هوشمند دياكو ايلامي

00:00
00:00
Shafaq Live
Shafaq Live
Radio radio icon