بـ37.844 صوتاً في الانتخابات النيابية.. الكورد الفيليون بين ظلم الأمس وتهميش اليوم
ضور لشهداء كورد فيليين/ عدسة وكالة شفق نيوز
بقلم:
ماجد سوره ميري
انتهت
الانتخابات النيابية العراقية، وسكت ضجيجها ولملمت لوحاتها الدعائية وصدرت نتائجها
الأولية التي عكست مرة أخرى واقع المكونات الصغيرة والمهمّشة في هذا البلد. فقد
حصل الكورد الفيليون على مقعد نيابي وحيد، مثّله المرشح حيدرعلي محمد علي الهموندي
(أبو تارة) الذي نال (17.174) صوتاً من مجموع (37.844) صوتاً حصل عليها جميع
المرشحين التسعة المتنافسين على مقعد الكوتا الفيلية، نتيجة قد تبدو رقمية في
ظاهرها، لكنها في جوهرها تعبّر عن أزمة أعمق تتعلق بالتمثيل، والهوية، والمواطنة،
والعدالة الغائبة منذ عقود.
إرث
ثقيل من الظلم
في
الوقت الذي نهنئ فيه الأخ ابو تارة على هذا النجاح ونتمنى له التوفيق في مهمته
التي تبدو عسيرة في تمثيل شريحته من الكورد الفيليين، نقول بإن هذه الشريحة التي
لا تعد طارئة على المشهد العراقي؛ بل إنهم جزء أصيل من نسيج هذا الوطن منذ قرون،
أسهموا في بناء دولته الحديثة وشاركوا في نهضته السياسية والاقتصادية والثقافية.
إلا أن التاريخ لم يكن منصفا معهم. فقد دفعوا ثمناً باهظاً في ظل النظام السابق،
حين جرّدوا من الجنسية، وهجّروا قسراً، وصودرت ممتلكاتهم، وأعدم أبناؤهم في واحدة
من أبشع الجرائم ضد شريحة عراقية خالصة.
أمل
في الديمقراطية... لم يتحقق
بعد
سقوط النظام في عام 2003، ظنّ الفيليون أن صفحة المعاناة طويت، وأن الدولة الجديدة
ستعيد لهم حقوقهم وتمنحهم مكانتهم التي يستحقونها؛ لكن الواقع كان مختلفا؛ فالنظام السياسي القائم على المحاصصة لم يمنحهم
سوى الفتات، ولم تترجم الوعود الكثيرة بإنصافهم إلى سياسات فعلية.. لقد تحوّلوا من
ضحايا النظام السابق إلى ضحايا التهميش الديمقراطي في النظام الحالي.
مقعد
يتيم... وصوت مغيّب
أن
يمثَّل مكوّن بحجم الكورد الفيليين بمقعد واحد فقط في البرلمان، رغم عددهم الكبير
وانتشارهم الواسع في بغداد وديالى وواسط، هو مؤشر على خلل عميق في آليات التمثيل
السياسي وفي فهم التنوع العراقي. الكوتا الفيلية ليست منحة، بل استحقاق وطني يهدف
إلى تصحيح غبن تاريخي. ومع ذلك، يبدو أنها تحوّلت إلى إجراء رمزي لا يغيّر من واقع
التهميش شيئاً.
الحاجة
إلى مشروع سياسي فيلي
المشكلة
لا تكمن فقط في ضعف تمثيلهم، بل في غياب المشروع السياسي الفِيلي الموحد؛ فالكورد
الفيليون ما زالوا موزعين بين القوى القومية الكوردية من جهة، والأحزاب الدينية الشيعية
من جهة أخرى، دون أن يمتلكوا كياناً سياسياً مستقلاً يعبّر عن خصوصيتهم ويطالب
بحقوقهم بوضوح.. إن توحيد الصف الفيلي بات ضرورة وجودية، لا مجرد طموح سياسي.
ما
جرى في الانتخابات الأخيرة ليس مجرد رقم في جداول المفوضية، بل رسالة مؤلمة بأن
الفيليين ما زالوا خارج المعادلة الحقيقية للسلطة. من ظلم النظام السابق خرجوا،
لكنهم دخلوا اليوم في ظلامة أخرى... ظلامة التهميش والنسيان. وإن لم يتحركوا
ويوحّدوا صوتهم، فسيبقى مقعدهم يتيما، كما بقيت قضيتهم في زوايا
الذاكرة العراقية.