الفنان حسن هياس.. الغناء سلاحاً في مقاومة التعريب والتذويب القومي

الفنان حسن هياس.. الغناء سلاحاً في مقاومة التعريب والتذويب القومي
2025-03-12T09:50:33+00:00

شفق نيوز/ في مطلع تسعينيّات القرن الماضي، وبين أجواء الحصار الدولي الخانق، اضطر شاب من خانقين إلى مغادرة مدينته بحثاً عن لقمة العيش، فتوجّه صوب العاصمة بغداد ورأسماله صوتٌ شجيٌّ وإرادةٌ لا تلين.

تُرى، هل تخيّل يومًا أن ذلك الصوت الذي علا بالكوردية في قلب بغداد، المدينة التي سعى النظام البعثيّ أن يجعلها منطلقًا لسياساته الشوفينية بتذويب بقيّة المكوّنات العراقيّة تحت راية التعريب سيّئة الصيت، سيكون له دور في بث الفرح الكورديّ وحفظ ما تبقى من هويته؟

كانت مواويله وأغانيه، المؤدّاة باللهجة الكورديّة الجنوبية (الفيلية)، ترقص القلوب وتذرف الدموع شوقًا إلى ديار ظُلم أهلها بإجبارهم على الرحيل. إنّه الفنان المرهف والشاعر الرقيق حسن هياس، صاحب الأغنية الشهيرة (چەبی دی.. چەکردی) التي غنّاها في بغداد لتصل أصداؤها إلى أرجاء كوردستان الأربعة.

إنه حسن هياس محمد علي واسمه الفني حسن هياس ولد عام 1965 في مدينة خانقين الكوردية، وأكمل فيها مراحله الدراسيّة الابتدائية والمتوسطة والاعدادية.

وكانت انطلاقته الأولى عام 1983 حين شارك في مهرجان مدارس ديالى، مؤدّيًا إحدى أغاني المطرب الكوردي الكبير حسن زيرك برفقة فرقة خانقين المدرسيّة التي كان يشرف عليها الفنان والملحن والعازف إسماعيل غلام، نال يومها المركز الأوّل في المهرجان.

سجل أول أغنية له تلفزيونيًّا عام 1986 في القسم الكوردي لتلفزيون كركوك، وكانت بعنوان (هي يار = أيّها الحبيب)، وذلك بعد اجتيازه اختبار لجنة فحص المقامات والأغاني تحت إشراف الفنانين شوكت رشيد وقادر مردان وحسين بهاء الدين. صُوِّرت الأغنية في الاستوديو وعُرضت بإخراج ليبرون سيمون.

في عام 1989، سجل عددًا من الأغاني في إذاعة بغداد الناطقة باللغة الكوردية، من بينها (جاو شين = زرقاء العينين) و**(چەکردی = ماذا فعلت)** الشهيرة. وفي عام 1990 أصدر ألبومه الأوّل بعنوان (چەکردی).

الانعطافة الكبرى في بغداد

شهد عام 1992 محطة مهمّة في مسيرته الفنية، إذ انتقل إلى بغداد وأسس هناك فرقة "شيرين" الموسيقيّة وسط المجتمع الكوردي من المرحّلين وغيرهم، وجمعهم حوله في إحياء حفلات الأعراس والمناسبات المختلفة.

تمكّن عبر هذه الفرقة من إعادة إحياء الغناء الكوردي باللهجة الجنوبيّة (الفيلية) والكلهورية والكورانية، فترك بذلك أثرًا كبيرًا في الحفاظ على الهويّة الفنية الكوردية.

في منتصف عام 1993، أصدر ألبومه الثاني بعنوان (ئەی چارەنووس = أيّها القدر).

وفي عام 1994، أصدر ألبومًا مهمًّا آخر بعنوان (ئەی خانەقینم = يا خانقيني)، وقد تضمّن موالًا غنائيًّا شجيًّا عن الحنين إلى خانقين وأحيائها وقراها، فكان ملامسًا لشجون المرحّلين قسرًا عنها.

ابتداءً من عام 1996، عمل مذيعًا في إذاعة بغداد الناطقة باللغة الكوردية لمدّة سبع سنوات قدّم خلالها العديد من البرامج الثقافية والفنيّة المتنوّعة، ثمّ أصدر في عام 1997 ألبوم (خودا حەقِم بەسینی = الله يأخذ حقي).

وفي عام 2000، أصدر ألبومًا تحت عنوان (شا دوێت = ملكة الفتيات).

عام 2005، طرح ألبوم (خانەقین شاره مەدەنییەت = خانقين مدينة التحضّر).

وفي العام نفسه، أصبح مديرًا لتحرير جريدة "بانان" الصادرة في خانقين وعضوًا في مكتب خانقين لنقابة صحفيي كوردستان.

عام 2009، تسلّم إدارة مكتب قناة "كه لي كوردستان" في خانقين.

سنة 2010، أصدر ألبومًا بعنوان (لیوەی جەمالك بیمە = مجنون بجمالك) في السويد، وأحيا عدّة حفلات في العاصمة ستوكهولم ومدينة يوتوبري ومدن أخرى للجالية الكوردية، إضافةً إلى حفلة في العاصمة النرويجية أوسلو.

عام 2011، أصدر ألبوم (كرماشان دێرەم = لدي كرمانشاه).

حسن هياس متزوّج ولديه ولد وبنت.

التقته وكالة شفق نيوز وطرحت بعض التساؤلات والموضوعات عن حياته وعمله الفني:

* هل الموهبة الذاتية في الغناء هي الدافع الأوّل لدخولك هذا العالم، أم كان هناك شخص دفعك لذلك؟ ومن هو مدربك وأستاذك؟

- إنّ موهبة حسن الصوت متجذرة في عائلتي؛ إذ كان والدي صاحب صوت شجيّ، وكنتُ خلال دراستي المتوسطة أغنّي في المناسبات، لكن في عام 1983، شاركت في مهرجان ديالى الفني بإشراف الملحن والعازف الخانقيني إسماعيل غلام، وأدّيت إحدى أغاني الفنان الكبير حسن زيرك، وحظي فريقنا بالمركز الأوّل.

* كيف تصف تاريخ خانقين من حيث فن الموسيقى والغناء؟

: - تزخر خانقين بالعديد من الأصوات الجميلة، ونسبتها هنا أعلى من كثير من مدن إقليم كوردستان، لكنّها، للأسف، لم تحظَ بالمكانة التي تستحقّها في مجال الموسيقى، ولم ينتعش هذا الفنّ بالقدر الكافي.

* تتميّز الموسيقى في جنوب كوردستان بتعدّد مشاربها، سواء كانت ألحانًا خفيفة سريعة أم حزينة ذات إيقاع بطيء. فما اللهجات والأساليب الأقرب إلى ذائقتك؟

:- اللهجة الكوردية الجنوبية التي تسمى الكلهوريّة أو الفيلية هي الأقرب إلى نفسي. وعندما شارف الغناء بهذه اللهجة على الاندثار، أخذتُ على عاتقي كتابة القصائد بها وغنّيتها؛ لإيماني بأصالتها وجمالها.

* الفنانون عادةً يسعون إلى الشهرة، وهذا يتطلّب أن يكون للفنان أسلوبه الخاص. إلى أي مدى نجحت في ذلك؟

:- الحمد لله، نلت درجة من النجاح جعلت معظم أغنياتي تتردّد على شفاه جمهوري، وبعض المطربين، وليس الكورد فحسب بل حتى من العرب اللبنانيين والعراقيين غنّوا أغنيتي الشهيرة (چەبی دی) باللغة الكوردية نفسها، وقد وصفني الفنان برزان وهاب (شقيق الفنان الراحل آزاد وهاب) في إحدى مقابلاته التلفزيونية بـ"سفير الأغنية الكوردية الخانقينية"، معلّلًا ذلك بأنني عرّفت بهذه اللهجة لباقي أجزاء كوردستان.

* أنت من جيل يمتلك أسلوبًا مختلفًا عن معاصريك، كيف ترى الأساليب الجديدة التي يطغى عليها أحيانًا التقليد والتسرّع؟

:- الأغنية الأصيلة، سواء كانت كورديّة أو بغيرها من اللغات، لا تشيخ ولا تُنسى، بل تكبر قيمتها كالذهب مع الزمن. أمّا بعض الأغاني الأخرى فهي مجرّد فقاعات وقتيّة سرعان ما يطويها النسيان. ولذا يجب على أي مطرب أن يضيف شيئًا إلى مخزون الفن الخاص بأمّته، وإلّا سيكون مجرّد ببغاء يردّد ما يقوله الآخرون من دون أن يترك أثرًا حقيقيًّا.

* يبدو من الواضح أنك اتخذت من الغناء وسيلة للمحافظة على هوية اللغة والأدب والثقافة الكوردية، خصوصًا في بغداد خلال حقبة صعبة، كيف تمكّنت من ذلك؟

: حملت رسالة في أغنياتي، فبالرغم من غنائي بالألحان السريعة المفرحة في الأعراس، فإنني قبلها كنت أقدّم موالًا أو مقامًا ينبض بروحية كوردية وحبّ الأرض والديار التي طُردنا منها، وأحيانًا أقحم مقاطع شعريّة بين الأغاني السريعة تتناول قضايا الترحيل والتهجير القسري. كان ذلك يحدث في قلب بغداد، مركز السلطة البعثية التي كانت تتعامل بالحديد والنار، وما فعلته لم يكن بالأمر الهيّن آنذاك. ولكن كلّه كان من أجل الحفاظ على اللغة والأدب والفن والثقافة الكوردية ومنع نسيانها.

* من الناحية الاقتصادية، يواجه الفنانون تحدّيات كبيرة في الاعتماد على العمل الفني وحده. هل لك أن تحدّثنا عن حفلاتك والأفراح التي تحييها؟ وكيف أسّست فرقة "شيرين" الموسيقية؟

: في عام 1992، أسّستُ فرقة "شيرين" الموسيقية في بغداد بالتعاون مع الأستاذ العازف ماهر عبد الستّار والأخ فاضل أحمد سايه خان. ثمّ انضمّ إلينا الفنّانون الموسيقيّون إبراهيم فتاح (عازف البزق) وعلي عبد الستّار (عازف الكمنجة)، وبعدها انضمّ كلٌّ من محمد العابد وخوشيد عيسى ليقدّموا بعض الأغاني العربية للحضور العربي الذي كان يشارك أحيانًا في حفلاتنا.

اسم "شيرين" يعبّر عن لهجة سكّان المناطق الكوردية الجنوبية الممتدة من بدرة وجصّان ومندلي وصولًا إلى خانقين وقصر شيرين وإيلام وكرماشان، وهم المتحدّثون باللهجة الفيلية (الكلهورية). في تلك الفترة، أقمنا حفلات في كلّ صالات بغداد تقريبًا، فاستطعنا بذلك تأمين احتياجاتنا المعيشية. لكنّ الأمور تغيّرت لاحقًا بعد التحرير، فلم أعد أغنّي في حفلات الأعراس إلا نادرًا، واقتصرت مشاركاتي على المناسبات الوطنية وبرامج القنوات الفضائية المباشرة.

Shafaq Live
Shafaq Live
Radio radio icon