DeepSeek التطبيق الصيني الذي أرعب وادي السيليكون

شفق
نيوز/ تتصاعد المنافسة بين الولايات المتحدة الأميركية والصين، أكبر اقتصادين في
العالم، إلى سباق جديد في مجال الذكاء الاصطناعي، في ظل سعي القوتين لترسيخ
هيمنتهما التكنولوجية.
وتحاول
بكين، التي كانت تعتبر متأخرة في هذا القطاع مقارنة بالغرب، تعزيز مكانتها كلاعب
رئيسي في سوق الذكاء الاصطناعي، بينما تسعى واشنطن إلى الحفاظ على تفوقها
التكنولوجي العالمي. ومع احتدام المنافسة، يرى محللون أن الصراع قد يتطور إلى شكل
جديد من الحرب الباردة، حيث تعمل كل من القوتين على حماية مكتسباتها وتعزيز نفوذها
في هذا المجال الاستراتيجي.
ثورة
الذكاء الاصطناعي الصيني
شهدت
الصين تحولاً تكنولوجياً متسارعاً منذ أواخر القرن العشرين، بعد عقود من التراجع
الناجم عن الحروب والاضطرابات السياسية. ومع تبنيها إصلاحات اقتصادية واسعة،
انطلقت البلاد في نهضة صناعية وتكنولوجية جعلتها مركزاً عالمياً للابتكار.
وفي
إطار استراتيجيتها لتعزيز الاكتفاء الذاتي، كثفت بكين جهودها لتقليل الاعتماد على
التكنولوجيا الغربية، عبر تطوير صناعات متقدمة تشمل أشباه الموصلات والحوسبة
السحابية والمواد الأولية التكنولوجية. وفي عام 2017، أعلنت الحكومة الصينية خططاً
طموحة لتصبح رائدة في الذكاء الاصطناعي بحلول 2030، عبر استثمارات ضخمة في البحث
العلمي والتطوير، إلى جانب تنفيذ مبادرات مثل "صنع في الصين 2025"، التي
تهدف إلى تحقيق اختراقات رئيسية في هذا المجال.
ونجحت
الصين في تحقيق قفزات نوعية، لترسخ مكانتها كقوة تكنولوجية عالمية، إذ برزت شركات
مثل هواوي وعلي بابا وديب سيك كمنافسين رئيسيين في مجالات الذكاء الاصطناعي،
وشبكات الجيل الخامس، والتكنولوجيا المالية. وفي تأكيد على التزام البلاد بهذا
المسار، وصف الرئيس شي جين بينغ تطوير الذكاء الاصطناعي بأنه "أولوية
وطنية"، في خطوة تعكس تحدي الصين للهيمنة التكنولوجية الغربية، رغم التبعات
السياسية والاقتصادية المحتملة.
ومع
امتلاكها موارد هائلة من البيانات ودعمًا حكوميًا واسع النطاق، حولت الصين
التحديات إلى فرص، ما عزز مكانتها في السباق التكنولوجي العالمي. وجاء إطلاق تطبيق
ديب سيك ليجسد هذا التحول، بعدما كشف عن قفزة غير مسبوقة في الذكاء الاصطناعي
القائم على التعلّم العميق، وهو ما قد يعيد رسم ملامح المنافسة في هذا القطاع
الاستراتيجي.
ما
هو ديب سيك Deep Seek R1؟
برز
ديب سيك كأحد أكثر مشاريع الذكاء الاصطناعي الطموحة في الصين، بدعم من شركات
تكنولوجية كبرى وتمويل حكومي، في خطوة تؤكد مساعي بكين لتعزيز حضورها في هذا
القطاع الاستراتيجي.
تم
تطوير النموذج من قبل شركة ديب سيك، وهي شركة ناشئة تأسست في هانغتشو عام 2023 على
يد رائد الأعمال ليانغ وينفنغ، قبل أن تطلق نموذجها المتقدم في 20 كانون الثاني/
يناير 2025. ورغم أن الإطلاق لم يحظَ في البداية باهتمام واسع، لتزامنه مع تنصيب
الرئيس الأميركي دونالد ترامب، إلا أن التطبيق سرعان ما تصدّر المشهد، ليصبح
الأكثر تحميلاً في متجر "آبل" بالولايات المتحدة، محققاً انتشاراً عالمياً
واسعاً.
وتميّز
ديب سيك بقدرات متطورة في معالجة اللغة الطبيعية والتفاعل الفوري وتحليل البيانات
بذكاء عالٍ، ما جعله منافساً قوياً لنماذج عالمية مثل "شات جي بي تي"
و"جيميني". وتشير بعض التقارير إلى أنه تفوق على نموذج OpenAl في عدة اختبارات، ما عزز
مكانته كأحد أبرز اللاعبين في المجال.
وقد
ورد في تقرير لوكالة "بلومبيرغ"، إن تكلفة تطوير ديب سيك لم تتجاوز 6
ملايين دولار، مقارنة بتقديرات تشير إلى أن تطوير "جي بي تي 4" تجاوز
100 مليون دولار، وهو ما يعكس الكفاءة الاقتصادية للمنتج الصيني.
مزايا
ديب سيك
1.
مفتوح المصدر ومرن: على عكس النماذج المغلقة مثل "ChatGPT" و"Gemini"، يتيح ديب سيك
للمطورين والباحثين الوصول إلى أكواده وتخصيصها وفق احتياجاتهم.
2.
تكامل عميق مع التطبيقات الصينية: صُمم ليعمل بسلاسة مع خدمات مثل "وي
تشات" و"علي بابا"، مما يعزز قدرته على التعامل مع البيانات
المحلية بكفاءة.
3.
تحليل لغوي متقدم: يتميز بفهم معمّق للسياق، خاصة في اللغة الصينية، ما يجعله أكثر
دقة وفعالية في المحادثات.
4.
تعلم ذاتي مستمر: يعتمد على تقنيات التعلم المعزز، مما يجعله يتطور بشكل مستمر
استجابة للمعلومات الجديدة.
5.
كفاءة حوسبية عالية: يستخدم تقنيات متطورة تقلل من استهلاك الطاقة، ما يخفض
التكاليف التشغيلية مقارنة بمنافسيه.
6.
أمان ورقابة مشددة: يلتزم بالمعايير الصينية الصارمة لأمن البيانات، ما يمنحه دعماً
حكومياً ويعزز انتشاره في الأسواق المحلية والدولية.
ومع
استمرار تقدمه، يعكس ديب سيك طموح الصين في إعادة رسم خريطة الذكاء الاصطناعي
العالمي، في ظل منافسة متزايدة مع الشركات الأميركية الكبرى.
مقارنة
بين "ديب سيك" و"تشات جي بي تي" و"جيميني"
تتنافس النماذج اللغوية الضخمة في الذكاء الاصطناعي على تقديم أفضل الحلول، حيث يمثل كل من "ديب سيك" (الصيني)، "تشات جي بي تي" (من أوبن إيه آي)، و"جيميني" (من غوغل) ثلاث قوى بارزة في هذا المجال. وفيما يلي مقارنة بين هذه النماذج من حيث الأداء، البنية التحتية، التكلفة، والاستخدامات.
ديب
سيك: تجربة سلسة للمستخدمين ومرونة أكبر للمطورين
بات
مستخدمو ديب سيك يلمسون ميزاته المتقدمة من خلال تجربة تفاعلية سلسة مع التطبيقات
اليومية، حيث يقدم استجابات أكثر دقة وطبيعية، لا سيما باللغة الصينية. ويتميز
بتكامله العميق مع منصات محلية مثل "وي تشات" و"علي بابا"، ما
يتيح وصولًا مباشرًا إلى خدماته دون الحاجة إلى تطبيقات إضافية. بفضل سرعته
وكفاءته في معالجة البيانات، يُستخدم في مهام تشمل البحث، الترجمة، وإنشاء
المحتوى، مع تطور مستمر يعزز تكيفه مع احتياجات المستخدمين بمرور الوقت. كما أن
التزامه بسياسات الأمان والخصوصية الصينية يمنح المستخدمين شعورًا بالموثوقية
مقارنة بالمنصات الأجنبية.
أما
بالنسبة للمطورين، فيستفيدون من طبيعته المفتوحة المصدر، ما يمنحهم حرية تخصيصه
وتعديله وفق احتياجاتهم دون قيود صارمة كما هو الحال مع "تشات جي بي تي"
أو "جيميني". وتتيح هذه المرونة دمج ديب سيك بسهولة في المشاريع
المختلفة، مدعومًا بأدوات تطوير متوافقة مع البنية التحتية الصينية، مما يمنحهم
تحكمًا أوسع في معالجة البيانات وتوليد النصوص.
علاوة
على ذلك، يستفيد المطورون من إمكانياته المتقدمة في التعلم الآلي، ما يعزز تطوير
تطبيقات ذكاء اصطناعي أكثر ذكاءً وقدرة على تحليل البيانات الضخمة. ويساهم انفتاح
المنصة في تمكينهم من بناء حلول مخصصة تلبي احتياجات السوق المحلية، مع إمكانية
الاستفادة من التحسينات المستمرة التي يجريها مجتمع المطورين.
الخصوصية
والأمان في ديب سيك: حماية البيانات أم تهديد للخصوصية؟
يلتزم
ديب سيك بسياسات صارمة في التعامل مع البيانات، متوافقًا مع اللوائح الصينية التي
تهدف إلى حماية أمن المعلومات الوطنية. وتؤكد الشركة المطورة أنه يتمتع بآليات
رقابة داخلية تمنع استخدامه في محتوى يتعارض مع سياسات الحكومة، إلى جانب تطويره
وفق معايير أمان متقدمة، مما يجعله خياراً جذاباً للشركات الساعية إلى حلول تضمن
التحكم الكامل في البيانات.
لكن
في المقابل، تثار مخاوف بشأن الرقابة المحتملة على المحتوى وطريقة تعامل المنصة مع
المعلومات الحساسة. في بعض الدول، يُنظر إلى ديب سيك كأداة قد تتيح للحكومة
الصينية التأثير على تدفق المعلومات أو جمع بيانات المستخدمين، ما قد يحد من
انتشاره عالميًا، إذ تسعى الشركات والمؤسسات إلى ضمان توافقه مع معايير الخصوصية
والأمان المعتمدة في بلدانها.
وحذر
خبراء تقنيون من المخاطر المحتملة المرتبطة باستخدام المنصة، مشيرين إلى إمكانية
استغلالها لنشر معلومات مضللة أو مشاركة البيانات المدخلة مع السلطات الصينية.
وأوضحوا أن القوانين الصينية تلزم المؤسسات المحلية بالتعاون مع الجهود
الاستخباراتية الوطنية، ما يزيد المخاوف بشأن استغلال البيانات في أغراض سياسية أو
أمنية.
وفي
هذا السياق، دعا الخبراء الشركات إلى توخي الحذر عند استخدام منصات الذكاء
الاصطناعي لمعالجة البيانات الحساسة، مشددين على ضرورة تقييم المخاطر المحتملة
لضمان عدم تعارضها مع سياسات الأمان والخصوصية الدولية.
ديب
سيك يربك واشنطن: هل تجاوزت الصين قيود الشرائح الأميركية؟
رغم
محاولات الولايات المتحدة فرض قيود صارمة على تصدير الشرائح الإلكترونية المتقدمة
إلى الصين، أثبت ديب سيك أن بكين قادرة على التكيف وتجاوز هذه العقبات.
ويرى
خبراء أن القيود الأميركية على تصدير الشرائح لم تُحدث التأثير المتوقع، بل دفعت
الشركات الصينية إلى تبني استراتيجيات جديدة تركز على كفاءة البرمجيات بدلاً من
الاعتماد على القوة الحوسبية الهائلة. كما أدى ذلك إلى تحسين استغلال الموارد
المتاحة لتحقيق نتائج مماثلة، وهو ما وصفه بعض المحللين بأنه "انقلاب السحر
على الساحر".
وجاء
هذا التقدم بمثابة ضربة لواشنطن التي تسعى للحفاظ على تفوقها التكنولوجي. وعلّق
الرئيس الأميركي دونالد ترامب على الأمر، معتبراً أن ديب سيك يمثل "جرس
إنذار" لشركات وادي السيليكون، مشيراً إلى أن الابتكارات الصينية تحقق نتائج
مماثلة بتكاليف أقل، ما يهدد فعالية الإنفاق الضخم الذي تنفذه الشركات الأميركية
في قطاع الذكاء الاصطناعي.
وكشف
إطلاق هذا النموذج الصيني عن تغييرات جوهرية في موازين القوى بين عمالقة
التكنولوجيا في الغرب ونظرائهم في الصين، ما أثار قلق المستثمرين الأميركيين بشأن
مستقبل استثماراتهم. وتعززت هذه المخاوف بسبب قدرة ديب سيك على تحقيق أداء متقدم
بتكاليف تطوير منخفضة، ما يطرح تساؤلات حول جدوى الاستثمارات الضخمة التي تضخها
الشركات الأميركية في الذكاء الاصطناعي.
إلى
جانب ذلك، يحذر الخبراء من أن التقدم السريع للصين في هذا المجال قد يؤدي إلى تآكل
التفوق التكنولوجي الأميركي، مما قد يعرض الشركات الكبرى في وادي السيليكون لخسائر
اقتصادية هائلة، في وقت تواصل فيه بكين تعزيز حضورها في سباق الذكاء الاصطناعي
العالمي.
ديب
سيك يهدد عمالقة التكنولوجيا الأميركية.. هل انتهى احتكار وادي السيليكون؟
شهدت
الأسواق المالية العالمية اضطراباً واسعاً بعد الصعود المفاجئ لديب سيك، ما شكّل
تحدياً مباشراً لعمالقة التكنولوجيا الأميركية، وعلى رأسهم "إنفيديا"
و"مايكروسوفت". ووفقاً لتقارير، فإن التطبيق الصيني لم يعتمد على أحدث
الشرائح من "إنفيديا"، بل نجح في تطوير خوارزميات برمجية قادرة على
العمل بكفاءة باستخدام رقائق أقل تطورًا، لكنها أكثر فعالية من حيث التكلفة.
وأدى
ذلك إلى موجة بيع حادة في وول ستريت، حيث تراجعت أسهم قطاع الرقائق والذكاء
الاصطناعي وسط حالة من الذعر بين المستثمرين، الذين أعادوا تقييم إنفاقهم على
تقنيات الذكاء الاصطناعي. وبحسب تقرير لـ"بيزنس إنسايدر"، فقدت الأسواق
الأميركية أكثر من تريليون دولار من قيمتها السوقية في يوم واحد، في واحدة من أكبر
موجات التراجع التي شهدها القطاع.
ونقلت
"بي بي سي" أن أسهم "إنفيديا" هبطت بنسبة 17%، ما أدى إلى
خسارتها نحو 600 مليار دولار من قيمتها السوقية في يوم واحد، وهو أكبر انخفاض يومي
في تاريخ الشركة. وتسبب هذا التراجع في فقدان "إنفيديا" موقعها كأكبر
شركة أميركية من حيث القيمة السوقية لصالح "آبل"
و"مايكروسوفت".
كما
أفادت "فاينانشيال تايمز" بأن مؤشر "فيلادلفيا" لأشباه
الموصلات انخفض بنسبة 9.2%، بينما سجل مؤشر "ناسداك" تراجعًا بأكثر من
3%، ما أثار مزيداً من المخاوف بشأن مستقبل شركات الذكاء الاصطناعي الأميركية.
ويرى
محللون أن هذه الخسائر تعكس التأثير المتزايد لقدرة الشركات الصينية على تطوير
تقنيات تنافسية بتكاليف أقل، ما قد يعيد تشكيل خارطة الهيمنة على سوق الذكاء
الاصطناعي العالمي، في ظل تحول الابتكار بعيدًا عن وادي السيليكون.
ديب
سيك يعيد تشكيل المشهد الاقتصادي
لم
يقتصر تأثير ديب سيك على قطاع التكنولوجيا فحسب، بل امتد ليشمل مجالات أوسع، من
الأسواق المالية إلى التصنيع والتجارة، ما دفع الشركات العالمية إلى إعادة تقييم
استراتيجياتها لمواكبة المنافسة المتصاعدة من الصين. ويرى محللون أن تنامي نفوذ
بكين في هذا المجال قد يعيد تشكيل التوازنات الاقتصادية، في وقت تتزايد فيه
المخاوف بشأن فقدان الولايات المتحدة هيمنتها على الابتكار الرقمي.
وفي
مواجهة هذا التحدي، تسعى شركات أميركية، مثل "مايكروسوفت"
و"غوغل"، إلى تطوير نماذج ذكاء اصطناعي أكثر تقدمًا، ما قد يجبرها على
تحسين الكفاءة أو خفض الأسعار للحفاظ على حصتها في السوق. أما في القطاع المالي،
فقد بدأت المؤسسات الاستثمارية في إعادة النظر في رهاناتها، وسط تحذيرات من احتمال
نشوء فقاعة تكنولوجية شبيهة بأزمة "دوت كوم"، وفقاً لتقرير نشرته
"وول ستريت جورنال".
وتشير
التقارير إلى أن شركات التصنيع في آسيا تتبنى بشكل متزايد تقنيات الذكاء الاصطناعي
الصينية لخفض التكاليف وزيادة الإنتاجية، في تحول قد يعيد رسم خريطة التصنيع
العالمي. ويقول محللون إن الاستثمارات الهائلة التي ضُخت في قطاع الذكاء الاصطناعي
خلال السنوات الأخيرة، مع توقعات بارتفاع العوائد، قد لا تكون مستدامة، ما يثير
تساؤلات حول إمكانية حدوث انهيار مفاجئ للسوق.
ووفقاً
لتقرير صادر عن "بلومبيرغ"، ارتفع حجم التمويلات الموجهة إلى شركات
الذكاء الاصطناعي الناشئة بنسبة 150% خلال السنوات الثلاث الماضية، إلا أن العوائد
الفعلية لمعظم هذه الشركات لم تتجاوز 10% من التوقعات الأولية.
وبينما
يعيد المستثمرون والخبراء تقييم استدامة هذا النمو، تشير "فايننشال
تايمز" إلى أن ديب سيك قد يمثل بداية لموجة جديدة من الابتكارات الذكية
منخفضة التكلفة، مما يزيد من الضغوط على الشركات الأميركية لتبرير إنفاقها الضخم
في هذا القطاع. فعلى سبيل المثال، أعلنت "مايكروسوفت" عن استثمار 10
مليارات دولار في شراكتها مع "أوبن إيه آي"، بينما تمكنت ديب سيك من
تطوير نموذج منافس بميزانية لم تتجاوز 6 ملايين دولار فقط، ما يعزز التساؤلات حول
فعالية النماذج الاستثمارية الحالية في سوق الذكاء الاصطناعي.
كيف
تفاعلت الولايات المتحدة مع ديب سيك.. ردود فعل رسمية وأكاديمية واقتصادية
أحدث
إطلاق ديب سيك صدمة في الولايات المتحدة، حيث أثار قلقاً واسعاً بين المسؤولين
والمستثمرين، مما دفع إلى اتخاذ عدة إجراءات رسمية واقتصادية وإعلامية.
ردود
الفعل
تلقى
الكونغرس الأميركي تحذيراً بشأن استخدام ديب سيك، حيث أرسل كبير المسؤولين
الإداريين في مجلس النواب إشعارًا يحذر من مخاطره المحتملة. في وقت لاحق، وصف
الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، التطبيق بأنه "جرس إنذار" لشركات
"سيليكون فالي"، مشيراً إلى تهديده للمكانة المهيمنة للولايات المتحدة
في قطاع التكنولوجيا. كما اجتمع ترامب مع الرئيس التنفيذي لشركة
"إنفيديا"، جنسن هوانغ، لمناقشة تداعيات إطلاق النموذج الصيني على صناعة
الذكاء الاصطناعي.
من
جهة أخرى، عبّرت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) عن قلقها من إمكانية توظيف
ديب سيك لأغراض عسكرية، مثل تطوير أسلحة ذاتية أو تنفيذ هجمات إلكترونية. وفي خطوة
احترازية، فرضت وزارة التجارة الأميركية قيوداً على تصدير بعض تقنيات الذكاء
الاصطناعي إلى الصين بهدف الحد من استفادة ديب سيك منها.
من
جانبهم، حذر خبراء الذكاء الاصطناعي في الولايات المتحدة من أن ديب سيك قد يشكل
تهديداً للمنافسة الأميركية في هذا المجال، داعين إلى زيادة الاستثمار في البحث
والتطوير. كما نشر العديد من مراكز الفكر تقارير تحليلية تناولت تأثير ديب سيك على
الأمن القومي الأميركي وسبل التعامل مع التنافس التكنولوجي المتصاعد بين واشنطن
وبكين.
في
القطاع الخاص، أعربت شركات التكنولوجيا الأميركية عن قلقها من منافسة ديب سيك
الصينية، مشيرة إلى ضرورة اتخاذ إجراءات لحماية الملكية الفكرية الأميركية من
تهديدات محتملة.
من
جانب آخر، حذر المستثمرون من أن نجاح ديب سيك قد يؤدي إلى تحول الاستثمارات نحو
الشركات الصينية، مما قد يؤثر سلباً على الشركات الأميركية.
تناولت
وسائل الإعلام الأميركية بشكل موسع إطلاق ديب سيك، مسلطة الضوء على مخاطره
وتحدياته على سوق الذكاء الاصطناعي. في هذا السياق، نشرت مقالات رأي تناولت ضرورة
وضع استراتيجية شاملة لمواجهة التحديات التي يفرضها هذا التطبيق الصيني.
الهيمنة
على تقنيات الذكاء الاصطناعي: مستقبل غامض في ظل التنافس العالمي
مع
تزايد وتيرة التنافس بين القوى الكبرى في مجال التكنولوجيا، يبقى السؤال حول هيمنة
الغرب على الابتكارات المستقبلية في مجال الذكاء الاصطناعي مفتوحاً. رغم استمرار
ريادة الشركات الأميركية مثل "غوغل" و"مايكروسوفت" في هذا
المجال، فإن التوسع المستمر للصين في هذه الصناعة، مدعوماً بسياسات حكومية داعمة،
يشير إلى احتمال إعادة تشكيل موازين القوى الاقتصادية والتكنولوجية في السنوات
المقبلة.
يُتوقع
أن تشهد خريطة القوى الاقتصادية العالمية تحولات كبيرة، حيث قد ينتقل مركز
الابتكار إلى الصين، ما قد يؤدي إلى تحول جذري في الديناميكيات الاقتصادية
العالمية. هذا التوجه قد يعزز من طموحات الصين في احتلال الصدارة في مجال الذكاء
الاصطناعي، ما يشكل تحديًا جديدًا للهيمنة الغربية في هذا القطاع.
وفي
مواجهة هذا التحول، قد تضطر الشركات الغربية إلى تبني تقنيات الذكاء الاصطناعي
منخفضة التكلفة لمواكبة المنافسة المتزايدة. هذا التحول قد يؤدي إلى موجة من
عمليات الاندماج والاستحواذ في القطاع التكنولوجي، مما يغير المشهد الصناعي بشكل
جذري. على صعيد آخر، من المتوقع أن تشهد الأسواق تغييرات جذرية في القطاعات
التقليدية، مما قد يؤثر بشكل كبير على الوظائف الحالية، في الوقت الذي ستظهر فيه
فرص جديدة ترتبط بالابتكار في الذكاء الاصطناعي.
بينما
لا تزال العديد من التساؤلات تحيط بمستقبل الذكاء الاصطناعي في كل من الولايات
المتحدة والصين، يبدو أن هذا القطاع سيظل في قلب التحولات التكنولوجية والاقتصادية
خلال العقود المقبلة. الأيام القادمة ستكشف عن تأثيرات عميقة على الاقتصاد
العالمي، في وقت قد تلعب فيه الدول الكبرى دوراً حاسماً في تحديد ملامح مستقبل هذا
القطاع الحساس.
د.
محمد عواضة، باحث في مجال التكنولوجيا/ خاص وكالة شفق نيوز