إلغاء قانون قيصر.. قراءة اقتصادية في التحوّل الاقتصادي في سوريا منذ عقدين

إلغاء قانون قيصر.. قراءة اقتصادية في التحوّل الاقتصادي في سوريا منذ عقدين
2025-12-12T12:11:03+00:00

شفق نيوز- دمشق

بعد سنوات من القيود الاقتصادية المشددة، يفتح إلغاء قانون قيصر نافذة جديدة أمام الاقتصاد السوري لاستعادة عافيته والدخول في مرحلة تحول اقتصادي واسعة.

وبينما يترقب السوريون آثار هذا القرار على حياتهم اليومية، تتجه الأنظار نحو قدرة الدولة على استثمار هذه الفرصة عبر إصلاحات جوهرية وإعادة بناء علاقاتها الاقتصادية الإقليمية والدولية.

وفي هذا السياق، يوضح المستشار الأول في وزارة الاقتصاد والصناعة، أسامة القاضي، في تصريح لوكالة شفق نيوز، أن رفع قانون قيصر يعدّ خطوة مهمة في دفع عجلة النمو الاقتصادي في سوريا، بسبب القيود التي كان يفرضها القانون على التحويلات المالية، إضافة إلى ما يمنحه من ثقة وطمأنينة للشركات العربية والأجنبية للاستثمار في البلاد.

ويشير القاضي إلى أن الشركات الأميركية والبريطانية والعربية بدأت بالدخول إلى السوق السورية، ومع إلغاء القانون أصبح العمل أكثر سهولة فيما يتعلق بالتعاملات مع المصارف، مبيناً أن نتائج هذه الاستثمارات وانتعاش الاقتصاد السوري قد تحتاج من ستة أشهر إلى عامين.

كما يؤكد ضرورة تفعيل مجلس الشعب الجديد في سوريا لتعديل العديد من القرارات القديمة التي تعود إلى عام 1947، والتي تعيق المخطط التنظيمي وإعادة الإعمار في أي محافظة، إضافة إلى أهمية تعزيز البنية المصرفية وتطوير الدفع الإلكتروني لتسهيل عمل الشركات.

بدوره يشرح عضو الهيئة التدريسية في الجامعة الوطنية الخاصة، إبراهيم نافع قوشجي، لوكالة شفق نيوز، أن إلغاء قانون قيصر يمثل خطوة محورية لإعادة بناء الثقة بالاقتصاد السوري، إذ يتيح عودة النظام المصرفي للتعامل مع الأسواق العالمية واستعادة القدرة على التحويلات المالية وجذب الاستثمارات.

ويلفت إلى أن هذا الانفتاح سينعكس تدريجياً على سعر الليرة السورية مع تدفق رؤوس الأموال وتراجع الضغوط التضخمية، شرط أن ترافقه سياسات نقدية متوازنة وإصلاحات مصرفية جدّية.

وبحسب قوشجي، فإن الزراعة ستكون في مقدمة القطاعات المستفيدة من رفع العقوبات، نظراً لكونها ركناً أساسياً للاقتصاد السوري.

كما توقّع انتعاش الصناعات الخفيفة، كالنسيج والصناعات الغذائية، بفضل سهولة الحصول على المواد الخام وفتح الأسواق الخارجية.

ويبرز قطاع البناء والعقارات كقطاع واعد نتيجة الحاجة المتزايدة لإعادة الإعمار، إضافة إلى نشاط مرتقب في الخدمات اللوجستية والتجارية مع عودة حركة الاستيراد والتصدير إلى مسارها الطبيعي.

ويشير قوشجي إلى أن سوريا تمتلك مقومات بشرية وجغرافية تؤهلها لبدء عملية إعادة إعمار واسعة، لكنها تتطلب تمويلاً خارجياً كبيراً وإصلاحات قانونية تعزز ثقة المستثمرين وتوفر بيئة آمنة للاستثمار.

وتبقى قدرة الدولة على تحديث البنية التحتية وتبنّي سياسات شفافة عاملاً حاسماً في نجاح هذه العملية.

كما أن إلغاء العقوبات سيسهم في إعادة فتح الموانئ والحدود لحركة تجارية طبيعية، ما يجعل الاستيراد أقل تكلفة وأكثر تنوعاً، ويتيح للمنتجات السورية الوصول للأسواق الإقليمية والدولية دون عوائق ورأى قوشجي أن هذا الانفتاح سيعيد لسوريا دورها التقليدي كممر تجاري بين الخليج وتركيا وأوروبا.

ورغم الإيجابيات، يحذر قوشجي من أن ضعف البنية التحتية وارتفاع مستويات الفساد والبيروقراطية قد يبطئ من وتيرة التعافي.

كما أن استمرار بعض العقوبات الأوروبية والأميركية الجزئية قد يشكل عقبة أمام انفتاح كامل على الأسواق، ويُبقي جزءاً من المخاطر القانونية أمام المستثمرين.

ويؤكد قوشجي أن النظام المالي السوري يحتاج إلى تحديث شامل وأن إعادة بناء الثقة مع المصارف العالمية يتطلب وقتاً وجهداً، لا سيّما في ما يخص الامتثال والمعايير الدولية ومكافحة غسل الأموال.

ويلفت  قوشجي إلى أن الاقتصاد السوري سيسجل نمواً تدريجياً مع انتقاله من اقتصاد قائم على الأزمات إلى اقتصاد إنتاجي، إذا ما نجحت الإصلاحات الهيكلية، كما أن تحويل نقاط القوة التقليدية ـ كالزراعة والصناعة الخفيفة ـ إلى محركات للنمو سيكون عاملاً أساسياً في رسم مستقبل الاقتصاد.

وينبه إلى ضرورة أن تضع الحكومة خططاً واضحة لإعادة الهيكلة وجذب الاستثمارات عبر تحديث القوانين وتقديم حوافز وضمانات. وأكد أن القطاع الخاص سيكون المحرك الرئيسي لمرحلة ما بعد العقوبات، من خلال الاستثمار في الزراعة والصناعة والخدمات وخلق فرص العمل.

أما على صعيد حياة المواطنين، فيوضح قوشجي أن التحسن لن يكون فورياً، لكنه سيبدأ بالظهور خلال عامين عبر زيادة فرص العمل وتحسن القدرة الشرائية وانخفاض الأسعار تدريجياً، مع تعزيز الخدمات العامة نتيجة تدفق التمويل الخارجي.

ويختتم قوشجي بالتأكيد على أن إلغاء العقوبات يعزز عودة سوريا إلى محيطها العربي ويمهّد لإطلاق مشاريع مشتركة في الطاقة والنقل والتجارة، إضافة إلى زيادة اهتمام الشركات الخليجية بالاستثمار في السوق السورية، شريطة توفر بيئة قانونية آمنة.

بدوره يرى المحلل الاقتصادي فراس الحيالي في حديث لوكالة شفق نيوز، أن "إلغاء قانون قيصر لا يعني بالضرورة انطلاقة اقتصادية فورية، لكنه يفتح الباب لمرحلة انتقالية قد تعيد تشكيل الاقتصاد السوري بالكامل خلال السنوات الثلاث المقبلة، العامل الحاسم ليس رفع العقوبات بحد ذاته، بل قدرة الحكومة على استثمار هذه الفرصة عبر إصلاحات نقدية وإدارية جريئة".

ويضيف أن الاقتصاد السوري يمتلك طاقات إنتاجية معطّلة تقدّر بنحو 60% من قدرته قبل عام 2011، وإعادة تشغيل نصف هذه الطاقة فقط يمكن أن يرفع الناتج المحلي بنسبة تتراوح بين 8–12% خلال خمس سنوات، شرط توفر بيئة استثمارية مستقرة.

وصوّت الكونغرس الأميركي، يوم الأربعاء الماضي، على الصيغة النهائية لملحق إلغاء قانون قيصر، ليصبح قانونا تُرفع بموجبه العقوبات الأميركية عن سوريا بشكل نهائي ودائم.

وأشارت مسودة وثيقة القانون إلى أن "إلغاء العقوبات يخضع لشروط معينة، منها أن يقدم الرئيس الأميركي دونالد ترمب تقريراً أولياً إلى لجان الكونغرس خلال 90 يوماً، ثم تقارير كل 180 يوماً لمدة 4 سنوات".

ونصت المسودة، أنه "على سوريا أن تؤكد أنها تتخذ خطوات ملموسة في مكافحة التنظيمات الإرهابية، وتحترم حقوق الأقليات، وتمتنع عن العمل العسكري الأحادي الجانب ضد دول الجوار، وتكافح غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وتلاحق الجرائم ضد الإنسانية المرتكبة في عهد النظام المخلوع، وتكافح إنتاج المخدرات".

وذكرت أنه "في حال عدم استيفاء هذه الشروط خلال فترتين متتاليتين من التقارير، يُمكن إعادة فرض العقوبات".

وفي 10 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، أعلنت وزارة الخزانة الأميركية تعليق العقوبات المفروضة على سوريا ضمن قانون قيصر لمدة 180 يوماً.

وفي 11 كانون الأول/ ديسمبر 2019، أقر الكونغرس الأميركي قانون قيصر لمعاقبة أركان نظام الأسد على جرائم حرب ارتكبها بحق المدنيين في سوريا.

ومن شأن إلغاء القانون أن يمهد الطريق لعودة الاستثمارات والمساعدات الأجنبية لدعم الحكومة السورية الجديدة بقيادة الرئيس أحمد الشرع، التي تأسست في آذار/ مارس 2025.

وشكّلت العقوبات الأميركية عقبة كبيرة أمام انتعاش الاقتصاد السوري، ويُعتبر رفعها دليلاً على نجاح الحكومة السورية الجديدة.

وفرض قانون قيصر لعام 2019 عقوبات واسعة النطاق على سوريا استهدفت أفراداً وشركات ومؤسسات مرتبطة بالأسد، الذي حكم سوريا بعد وفاة والده حافظ الأسد من عام 2000 حتى إطاحته في 2024.

وسُميت هذه العقوبات بالاسم الرمزي لمصور عسكري سوري سرب آلاف الصور المروعة التي توثق التعذيب وجرائم الحرب التي ارتكبتها حكومة الأسد.

Shafaq Live
Shafaq Live
Radio radio icon