"أصوات من الغربة".. شفق نيوز تستطلع أحوال عرب مهاجرين يعيشون العيد بالذكريات

"أصوات من الغربة".. شفق نيوز تستطلع أحوال عرب مهاجرين يعيشون العيد بالذكريات
2025-06-07T11:15:46+00:00

شفق نيوز/ في الأعياد، تفوح روائح الذكريات قبل روائح القهوة والهيل، وتصبح الفرحة اختباراً صعباً للقلب في الغربة. في مدن عربية باتت محطات لجوء مؤقت، مثل بغداد وبيروت وعمّان، يعيش آلاف المهجّرين من اليمن وسوريا وفلسطين، وقد تقاسمت الحرب تفاصيلهم اليومية، وسرقت منهم بهجة العيد ودفء العائلة.

بالنسبة لهؤلاء، العيد لم يعد مناسبة للفرح، بل لحظة مواجهة مع ما فُقد: وطن، بيت، أهل، جيران، وحتى أعياد كانت تُعاش بكل تفاصيلها في مسقط الرأس. في هذا التقرير، التقت وكالة شفق نيوز عدداً من المهجرين من دول عربية شقيقة، حيث تحدثوا عن العيد كما يعيشونه اليوم: بقلوب ثقيلة، وذكريات لا تموت.

في بغداد.. يمنٌ بعيد وصوت مكتوم

في أحد أحياء العاصمة العراقية، تعيش أمل عبد الله، شابة يمنية تبلغ من العمر 24 عاماً، وصلت إلى بغداد قبل سبع سنوات بعد أن نزحت مع أسرتها من صنعاء.

تقول أمل لوكالة شفق نيوز: "أول عيد لي في بغداد كان صادماً. خرجت أبحث عن شيء يشبه أجواء العيد في اليمن، ولم أجد. في صنعاء، كانت الروح تعلو فوق الحرب. كنا نحضر الزينة، ونعدّ المعمول، نلبس الجديد، نزور الجيران، نضحك رغم الظروف. لكن هنا... الغربة أكلت كل التفاصيل".

ورغم الأمان النسبي الذي تعيشه، إلا أن أمل لا تشعر بالاستقرار النفسي. وتقول: "العراقيون طيبون، لكني أشعر أنني غريبة. لا أحد يطرق بابنا في الصباح، لا أحد يوزع الحلوى، وحتى المساجد هنا لا تبث التكبيرات كما كنا نسمعها في صنعاء. أطفالي بدأوا يعتادون على هذا النمط الجديد، وهذا ما يؤلمني أكثر".

أمل تحاول أن تصنع فرحة مصطنعة في المنزل، تزور جاليات يمنية أخرى كلما استطاعت، وتطهو وجبات خاصة تذكّرها بأمها. "لكنها فرحة منقوصة. فرحة مشروطة بالحسرة".

بيروت.. السوريون يحتفلون بالصمت

ومن بغداد ننتقل إلى لبنان، ففي حي شعبي على أطراف بيروت، يقيم خالد الحمصي، لاجئ سوري من ريف دمشق يبلغ من العمر 39 عاماً، برفقة زوجته وأطفاله الثلاثة. غادر سوريا عام 2014 تحت ضغط الحرب، واستقر في لبنان دون أن يعود حتى اليوم.

يتحدث الحمصي لوكالة شفق نيوز، بحسرة واضحة: "العيد في سوريا كان شيئًا لا يُوصف. أصوات الناس، ضجيج الأسواق، رائحة الخبز الطازج صباح العيد. كانت أياماً نعيشها بكل جوارحنا. هنا؟ لا زيارات، لا ضحكات، لا أقارب. فقط نحن وجدران هذا البيت".

الحمصي يؤكد أن أصعب ما يواجهه في العيد هو الأسئلة التي يطرحها أطفاله: "(بابا ليش ما عنا عيد مثل ولاد الجيران؟ ليش ما عنا ضيوف؟ ليش ما بنروح عند تيتا؟)، لا أملك إجابة سوى الصمت، وأحيانًا أكذب… أقول إن الأمور مؤقتة وسنرجع قريباً".

ما يؤلم الحمصي أكثر، هو شعور الانعزال حتى وسط الناس. "نحن غرباء رغم أننا في بلد عربي. لا نستطيع العمل بحرية، لا نخرج كثيراً، نخاف من كل شيء. العيد بالنسبة لي هو يوم طويل أحاول أن أمرره دون أن أنفجر من الداخل".

عمّان.. الفلسطيني" ذاكرة لا تموت"

ومن بيروت نغادر إلى العاصمة الأردنية عمّان، التي يعيش في أحد أحيائها أبو محمد النجار، فلسطيني من غزة، يبلغ من العمر 52 عاماً، وقد لجأ إلى عمّان قبل عقدين من الزمن.

"العيد في الغربة كأنك تنظر من نافذة قطار إلى محطة كنت فيها يوماً ما"، يقولها النجار بحزن لوكالة شفق نيوز قبل أن يضيف: "في غزة، كان العيد يبدأ من فجر اليوم السابق. نغسل الشوارع، نحضّر الكعك، نجهز الهدايا، نطرق أبواب الجيران. الآن أستيقظ، أصلي، أوزع العيدية على أولادي، ثم أفتح الهاتف لأتأكد أن أحداً من أقربائي لم يُقتل في القصف".

أبو محمد يعتبر أن أصعب مشاعر العيد هي الإحساس باللاجدوى: "نضحك كي لا نخيف أطفالنا. نلبس الجديد كي لا يرانا الجيران محطمين. لكن الحقيقة أن بيوتنا مليئة بالغصة. لا وطن نرجع إليه، ولا مستقبل واضح هنا".

لكنه رغم كل ذلك لا يفقد إيمانه بأن العودة ممكنة. "كلما كبّر المؤذن صباح العيد، أتخيل نفسي أسير في شوارع غزة... هذا الحلم هو كل ما أملك".

الوجع العربي بلهجات مختلفة

تؤكد الكاتبة والناشطة السورية شمس عنتر أن الأهل، سواء كانوا أبناء أو إخوة، يبقون جزءًا من الحنين، لكن الوطن الحقيقي في الغربة يبقى في وجود الكبار. فهذه الفئة العمرية، التي غالبًا ما تُهمّش، بحاجة إلى دعم لا يقتصر فقط على الجانب الاقتصادي، بل إلى حنان ورعاية عاطفية يفتقدها كثيرون.

تقول عنتر لوكالة شفق نيوز"أنا واحدة من هؤلاء. حين يزورني ابني، لا أتمنى المال، بل أتمنى أن يبقى معي لأشهر، لا لشهر واحد فقط. فزيارة قصيرة لا تكفي، لأن ما نحتاجه ليس المال، بل الأولاد، والأهل، والتواصل العائلي المستمر".

وتضيف أن كبار السن باتوا اليوم مشهدًا مألوفًا في شوارع المهجر، وحيدين ومنسيين، بينما تستمر هجرة الشباب، ما أثر بشكل مباشر على فرص الزواج للفتيات السوريات في دول اللجوء. كما أشارت إلى أن قرار وقف لمّ الشمل في ألمانيا كان له وقعٌ قاسٍ على العائلات السورية، حيث انفصل الأزواج عن بعضهم لسنوات، تاركين النساء في مواجهة أعباء الحياة وحدهن.

توضح عنتر أن غياب الأزواج لا يسبب فقط ضائقة اقتصادية، بل يترك النساء في حالة من الانكسار النفسي، خاصة من هن دون الثلاثين، حيث يتحملن مسؤولية الأطفال والبيت، بينما يفتقرن إلى أبسط أشكال الدعم العاطفي والوجداني.

وتختم حديثها بالتأكيد على أن الحنان هو ما يحتاجه الإنسان في الغربة، لا المال، وأن الغربة ليست فقط مسافة جغرافية، بل شعور داخلي ثقيل يتضاعف حين يبدأ من دون سند، أو حين تُفرض على من لم يكن مستعدًا لها.

بين الرحيل والانتظار

في نهاية أحاديثهم لوكالة شفق نيوز، عبّر الجميع عن أمنيات بسيطة: أن يعودوا، أو يجدوا في غربتهم ما يُشبه الوطن.

يقول خالد الحمصي، من بيروت: "لا أريد مالًا ولا سلطة... فقط صباح عيد واحد في دمشق، أُقبل فيه يد أمي، وأُعيد توزيع العيدية على إخوتي".

أما أمل عبد الله من بغداد فتختم: "كل سنة أطلب من الله في أول أيام العيد أمنية واحدة: أن أحتفل بالعيد في اليمن. على أرضي، بين أهلي، كما كنت في الطفولة".

Shafaq Live
Shafaq Live
Radio radio icon