حظر "البرمودا".. قرارات جدلية حول الحريات والذوق العام فهل يكفلها الدستور؟
شفق نيوز - بغداد/ الأنبار/ كركوك
تتفاوت الآراء حول ارتداء الشباب البناطيل القصيرة التي تسمى "البرمودا"، فثمة من يرى فيها ظاهرة خارجة عن اللياقة وتقاليد المجتمع، فيما يرى ناشطون وبعض منظمات المجتمع المدني أن هذا الموضوع يدخل ضمن نطاق الحريات الشخصية التي كفلها الدستور العراقي.
وتحت ضغط مطالبات دينية واجتماعية أصدرت الحكومات المحلية ببعض المحافظات قراراً يقضي بمنع ارتداء البرمودا، ومنها محافظة واسط التي أصدرت بياناً بمنع هذا النوع من الملابس مطلع نيسان الماضي، مؤكدة أن القرار يأتي حفاظاً على قيم المجتمع، وهو ما أثار ردود فعل واسعة من قبل المواطنين بين مؤيد ومنتقد.
وأصدرت بعدها محافظ الأنبار قراراً مماثلاً نهاية أيار الماضي، وحذرت من لبس البرمودا في أسواق وشوارع المحافظة، وشرعت شرطة الأنبار بتطبيق منع ارتداء البرمودا والشورتات القصيرة في الأماكن العامة.
وفي 2019 منعت محافظة كركوك هي الأخرى ارتداء البرمودا والشورتات القصيرة ولوحت باتخاذ إجراءات بحق المخالفين.
ويؤكد المستشار القانوني قتادة صالح فنجان، لوكالة شفق نيوز، أن "قرار الحكومات المحلية بمنع ارتداء البرمودا وغيرها من الثياب الفاضحة لم يأت من فراغ بل يستند إلى أسس قانونية واضحة".
ويوضح أن "الفقرة الـ 17 من المادة السابعة لقانون المحافظات غير المنتظمة في إقليم من القانون رقم 21 لسنة 2008 المعدل، يخول مجالس المحافظات الصلاحيات الضبطية".
ويضيف، أن "مجالس المحافظات تمارس الضبط الإداري ومن ضمنه مراعاة الأخلاق والآداب والسلوك الاجتماعي في المحافظة".
وأكد مصدر أمني لوكالة شفق نيوز، أنه "تم اتخاذ إجراءات شفافة في التعامل مع قرار المنع، بينها تنبيه الشباب من الظهور بمظهر غير لائق واستدعاء أولياء الأمور قبل اتخاذ أي إجراء قانوني، الذي عادة لا يتم إلا بعد تكرار المخالفات".
وأشار إلى أن "التوجيهات التي صدرت للأجهزة الأمنية تأتي في إطار دعم الاستقرار المجتمعي والحفاظ على القيم".
وأعربت منظمات حقوق الإنسان وناشطون عن شجبهم ورفضهم لصدور مثل هذا القرار.
وأكد حازم سيف الدين، عضو في إحدى المنظمات الحقوقية، أن "القرار يستهدف الحريات الشخصية للمواطنين، وأن على الحكومات المحلية إصدار قرارات أكثر جدوى وأهمية مثل محاسبة الفاسدين وغيرها من القرارات المهمة".
وأضاف، أن "الدستور العراقي كفل الحريات الشخصية، وأن مثل هذه القرارات تنم عن عدم وعي الدستور أو الالتفات عليه"، منوها، إلى أن "ارتداء هذه الملابس لا يشكل خرقاً للعرف الاجتماعي المتوارث، بل هي خفيفة تساعد على الحركة بسهولة ولا يسبب ضرراً للآخرين".
بدوره أبدى الناشط المدني حسن الرياحي استغرابه من "صدور هذا القرار"، قائلاً لشفق نيوز، إن "القرار يعبر عن أمزجة مسؤولين وجهات سياسية تهدف لشغل الوضع العام عن مواضيع أساسية، يجب أن يكون للحكومات المحلية موقفاً حاسماً منها وأبرزها توفير الخدمات العامة".
وأضاف الرياحي، أن "معظم المحافظات في وسط وجنوب العراق تعاني من هشاشة أو انعدام البنى التحتية وقصور في الخدمات فضلاً عن تفشي البطالة بشكل واسع، وإن من الأجدر معالجة هذه القضايا بدلاً من مس الحريات الشخصية".
وأكد، أن "ارتداء الشورت والبرمودا شائع بين الشباب في جميع دول المنطقة ولم يتعرض أحد لهذا الموضوع، ولا يختلف الشباب العراقي عن غيرهم وهم أحرار فيما يرتدون".
وعبرت بعض الفتيات عن استيائهن من ثياب الشباب وخاصة الشورت والبرمودا.
وتقول المواطنة حنين صباح، (22 عاما): "أوقفت ذات يوم سيارة اجرة وكان السائق يرتدي برمودا فاضحة وهو ما اضطرني لمغادرة السيارة".
وتشير لوكالة شفق نيوز، إلى أن "المجتمع يطالب الفتيات بالحشمة، ولا يلتفت إلى ملابس الشباب وهذه مفارقة"، مؤكدة أنها تدعم "أي قرارات تحاسب على مخالفة الآداب العامة في الثياب والكلام والتصرف والسلوك من الجنسين".
اما المواطنة سرى كاظم، (37 عاما)، فتؤكد، أن "الثياب تعكس الذوق وشخصية الإنسان".
وتضيف في حديثها لوكالة شفق نيوز، أن "كثيراً من الشباب يرتدون ثياباً قصيرة وهم أحرار بذلك بالطبع، لكن هذه الثياب تسيء لشخصايتهم قبل كل شي".
وتلفت إلى أن "الثياب تعكس أناقة الرجل وشخصيته وثقافته ومن خلالها يتم الكشف عن أفكاره وقراءة دواخله".
رجال الدين من ناحيتهم قالوا، إن ارتداء الشورت القصير ظاهرة طارئة على المجتمع العراقي وغريبة على سلوكياته واعرافه".
وبهذا الصدد يشير الخطيب الحسيني الشيخ حسن الازيرجاوي، في حديثه لشفق نيوز، إلى أن "موضوع الثياب يرتبط بأدبيات وسلوك وأعراف المجتمع".
وأضاف، أن "الدين الإسلامي فرض حدوداً شرعية على ثياب الرجال والنساء على حد سواء"، مؤكداً، أنه "لا يجوز للرجل على سبيل المثال كشف صدره، وإن على الشباب مراعاة الآداب العامة بلباسهم في الأماكن العامة".
ويواصل، القول إن "المنطقة تواجه تحديات غير مسبوقة حاليا وهي تؤثر على بلدنا بشكل مباشر وهذا ما يتطلب من الشباب موقفاً صلباً ووعياً بما يحصل ولا ينشغلوا بالتقليد والتفاهات التي تصادر رجولتهم".
ويقول باحثون اكاديميون أن "التقليد هو محصلة نهائية للإنسان بمختلف مراحل حياته وخاصة الشباب".
ويؤكد الأكاديمي الدكتور حسن حنون، في حديثه لشفق نيوز: "ثمة نزوع حاد لدى الشباب في التقليد سواء بالثياب أو الأفكار والتوجهات وحتى التصرفات، وهذه مؤشرات يتم تسجيلها عند جميع الأجيال".
ويضيف في حديثه لوكالة شفق نيوز، أن "التقليد غير الواعي يتسبب بقصور الشخصية وفتور التفكير والتأمل وغيابهم أحياناً".
ولفت إلى أنه "فيما يتعلق بالثياب فقد أصبح الشباب العربي يقلدون ثياب الغرب وهذا ليس بالشيء الجديد، لكن الجديد في الأمر أن الغرب صدروا ثيابا فاحشة لا تناسب قيم المجتمع ومع ذلك يرتديها الشباب بشكل طبيعي"، منوها، الى أنه "لا مبرر لأي قرارات تتعلق بحظر هذه الثياب ومحاسبة المخالفين للقضاء على هذه الظاهرة لأن ذلك يدفع الشباب للتمسك بها".
ويؤكد، ضرورة أن "يكون هناك وعي وتثقيف جمعي حول هذا الموضوع وغيره من المواضيع التي ينساق لها الشباب بتلقائية حتى تصبح ظاهرة طبيعية".