بغداد ودمشق وبيروت.. محاولات لاحتكار السلاح بيد الدولة وكبح جماح الفصائل

شفق نيوز/ ذكر معهد "مركز صوفان" الأمريكي أن حكومات العراق وسوريا ولبنان التي تواجه التعقيد في جهودها لاحتكار السلطة المسلحة داخل أراضيها، تحاول كبح القوى والفصائل المسلحة على أراضيها، والتي تتلقى دعما خارجيا، وذلك في أعقاب نتائج الحرب المدمرة التي شهدها الشرق الأوسط، وتخللها سقوط النظام في دمشق.
وأشار التقرير الأمريكي، الذي ترجمته وكالة شفق نيوز، إلى أن الحرب الاقليمية التي اندلعت فيما بعد 7 اكتوبر/تشرين الاول العام 2023، كشفت عن التحديات التي تفرضها القوى الفاعلة غير الحكومية وقدرتها على تحدي سلطة الدولة، وتحقيق ايديولوجياتها المنفصلة وتعزيز أهداف داعميها الخارجيين، لافتا في هذا الاطار الى 3 حالات، هي العراق وسوريا ولبنان.
وأوضح التقرير؛ أن حكومات بغداد ودمشق وبيروت، تتحدث عن نيتها كبح جماح القوى الفاعلة غير الحكومية التي أثارت افعالها اسرائيل والولايات المتحدة وتركيا وغيرها من الاعمال الانتقامية، وهي أعمال تسببت في خلق دمار كبير وصعوبات إنسانية لشرائح واسعة من سكانها، إلا أنه برغم ذلك، فإن القواعد الاجتماعية لهذه القوى والفصائل المسلحة، إلى جانب الدعم الذي تحصل عليه من القوى الخارجية الساعية الى تحقيق اجندات استراتيجية، تتسبب كلها في تعقيد جهود هذه الحكومات لاحتكار القوة المسلحة على أراضيها.
ولفت التقرير إلى أن الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع، أعلن بوضوح عن عزمه كبح جماح الميليشيات التي تنشط في سوريا منذ اندلاع الحرب الأهلية في العام 2011، مذكراً بأنه جرى حل الميليشيات المدعومة من إيران والتي كانت تدعم نظام بشار الأسد، أو انسحبت إلى العراق فيما خرج حزب الله إلى لبنان، إلا أنه لا تزال هناك قوى فاعلة أخرى، بمن فيها الميليشيات التي يهيمن عليها الكورد والتي تدعمها الولايات المتحدة، وهي قوات سوريا الديمقراطية (قسد) التي لم تنفذ اي هجمات ضد تركيا، لكن انقرة تعتبرها مرتبطة بجماعات كوردية تركية معارضة مثل حزب العمال الكوردستاني.
ولهذا، أوضح التقرير أن تركيا تدخلت عسكريا في سوريا، قبل وبعد سقوط الأسد، من أجل إقامة وتوسيع منطقة عازلة على طول الحدود السورية التركية، بينما تسببت سياسة أنقرة في توترات مع واشنطن، بينما ينظر الكورد في سوريا إلى "قسد" باعتبارها حامية رئيسية لحقوقهم في سوريا في ظل سلطة هيئة تحرير الشام وتعاملها مع الأقليات.
وتابع التقرير؛ أن قرارات الشرع بحل الميليشيات والفصائل تشمل أيضاً الجماعة المتمردة المتحالفة التي تدير غرفة العمليات الجنوبية في درعا و"الجيش الوطني السوري" المدعوم من تركيا، والذي يقاتل "قسد" بالإنابة عن أنقرة، كما تشمل الفصائل الفلسطينية المسلحة التي شنت أحياناً هجمات على الأجزاء التي تحتلها إسرائيل في مرتفعات الجولان، بالإضافة إلى مصادرة الأسلحة من الأعضاء السابقين في الجيش السوري والميليشيات المدعومة من إيران والمتمركزة في سوريا.
أما في العراق، فإن الحكومة تسير على طريق مماثل، في ظل إدراكها أن الهجمات على إسرائيل والقوات الأمريكية في العراق من قبل الميليشيات الموالية لإيران، أدت إلى وقوع هجمات انتقامية وتقوض سيادة العراق واستقراره وتتعارض مع الجهود المشتركة مع الأمريكيين لمنع عودة تنظيم داعش.
وذكّر التقرير بتصريحات وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين، مؤخراً قال فيها أنه "قبل عامين أو ثلاثة أعوام، كان من المستحيل مناقشة هذا الموضوع (نزع سلاح الميليشيات) في مجتمعنا، ولكن الآن، فإن وجود مجموعات مسلحة تعمل خارج الدولة، أصبح غير مقبول".
وأشار التقرير إلى أن المسؤولين العراقيين حاولوا الحصول على قبول الميليشيات الموالية لطهران وقادتها بهذا التغيير من خلال التذكير بوجود ضغوط وتهديدات أمريكية ضمنية بالعمل العسكري ضد العراقيين المتحالفين مع إيران، لافتا إلى أنه في الأسابيع الأخيرة من ولاية الرئيس جو بايدن بعد انهيار الأسد، قام وزير الخارجية انتوني بلينكن بزيارة بغداد لحث رئيس الوزراء محمد شياع السوداني على اتخاذ اجراءات قاسية ضد الميليشيات الموالية لايران، وذلك في اطار حملة أمريكية لتفكيك الميليشيات، مدعومة ايضا من ادارة دونالد ترامب لاضعاف ايران استراتيجيا.
وذكر التقرير انه "كما كان متوقعا، فان قيادة الميليشيات المتحالفة مع إيران، اعربت عن معارضتها لوضع مقاتليها تحت سلطة القيادة الوطنية، أو نزع سلاحهم بشكل كامل"، مضيفاً أن قادة ايران، بمن فيهم المرشد الاعلى علي خامنئي، يؤكدون ان ايران ستعيد بناء "محور المقاومة".
وتابع التقرير أن خامنئي خلال زيارة قام بها السوداني الى طهران في يناير/كانون الثاني الماضي، دعا الى تقوية الفصائل وليس تقييدها.
وبحسب التقرير فان بعض قادة الميليشيات يعتبرون ان تفكيك الميليشيات يتطلب فتوى من المرجعية العليا للسيد علي السيستاني. واضاف التقرير انه في ظل ان العديد من العراقيين الشيعة يعتبرون ان الفصائل المتحالفة مع ايران، تحميهم وهي تمثل معارضة مشروعة لاسرائيل، فإنه سيكون من المستبعد اتخاذ السيستاني موقفا علنيا يتعلق بمصير الميليشيات.
وقال التقرير انه حتى لو ان الميليشيات لم توافق على نزع سلاحها، فان بغداد لا يزال بمقدوره تحقيق بعض أهدافها، حيث تحدثت بعض الميليشيات المتحالفة مع إيران، عن نيتها النأي بنفسها عن إيران، كوسيلة محتملة لتخفيف الضغوط التي تتعرض لها عليها لنزع سلاحها بشكل كامل، في حين ربط قادة الميليشيات تحركاتهم بالسياسة المتبعة رسميا من الدولة والتي تتلخص في عدم التدخل في سوريا.
وبحسب التقرير، فان الميليشيات العراقية الموالية لايران، امتنعت إطلاق طائرات مسيرة باتجاه اسرائيل خلال الاسابيع الاخيرة، مضيفا انه في اطار الخشية من ان يؤدي سقوط الاسد الى عودة تنظيم داعش، فإن قادة الإطار التنسيقي، بدلوا موقفهم نحو دعم موقف حكومة السوداني للإبقاء على وجود القوات الأمريكية في العراق بعد العام 2026. ونقل التقرير عن احد المسؤولين في "الإطار التنسيقي" قوله ان قادة الاطار لديهم خشية من استغلال داعش للفراغ في حال غادر الأمريكيون العراق وانهيار الوضع العراقي.
وختم التقرير بتناول تجربة لبنان، حيث قال ان "الامر الاكثر صعوبة من توسيع سلطة الدولة في العراق او سوريا" هو الجهود التي تبذلها الحكومة اللبنانية للحد من الاستقلالية والنفوذ والقوة العسكرية لحزب الله الذي وصفه التقرير بأنه الحليف الاقليمي الرئيسي لإيران.
ولفت التقرير إلى أن البرلمان اللبناني كسر جمودا استمر عامين، واختار قائد الجيش جوزيف عون كرئيس للجمهورية الذي قال ان على الحكومة احتكار القوة المسلحة في كافة أنحاء البلد، مضيفا أن تصريحه هذا يشير الى ان عون وحلفائه من الطائفة المارونية المسيحية والسنية يريدون البناء على النكسات العسكرية التي مني بها حزب الله ضد اسرائيل، والعمل من اجل محاولة نزع سلاح الحزب بشكل كامل، بما في ذلك من خلال اختيار نواف سلام رئيسا للوزراء خلفا لنجيب ميقاتي الذي كان حزب الله يفضل تكليفه مجددا.
واعتبر التقرير أن عون وسلام يواجهان عقبات كبيرة في أي محاولة لتقليص النفوذ السياسي والعسكري لحزب الله وتعزيز سلطة الدولة، حيث يتمتع الحزب بولاء اغلبية كبيرة من الشيعة في لبنان، والذين يمثلون الطائفة الأكبر في البلد.
واضاف انه رغم الخسائر التي مني بها حزب الله بسبب الحملة الجوية والبرية الاسرائيلية منذ سبتمبر/ايلول، الا انه يبقى القوة العسكرية الاقوى في البلد، مشيرا الى ان الجيش اللبناني لا يزال برغم تلقيه المساعدات الامريكية وغيرها من المساعدات الخارجية، يعاني من نقص التمويل وسيئ التسليح وليس بمقدوره تحدي حزب الله داخليا.
وتابع قائلا؛ إن إيران مصممة على اعادة بناء حزب الله، على الرغم من ان الطريق البري الأمن لإعادة إمداد الحزب قد تم قطعه بسبب سقوط نظام الاسد، مشيرا إلى أن طهران تحاول إيجاد طرق جديدة يمكن من خلالها تزويد الحزب باسلحة متطورة.
ترجمة: وكالة شفق نيوز