إعادة انتشار القوات الأمريكية بالعراق.. ما هي تداعياتها على 5 عواصم بينها أربيل؟
شفق نيوز- ترجمة خاصة
وضع موقع "جيوبوليتيك المونيتور" الكندي، عملية إعادة الانتشار العسكري التي قامت بها الولايات المتحدة لقواتها في العراق، في إطار إعادة توجيه دقيقة لتحقيق توازن جديد بين المتطلبات الأمنية الجديدة والنفوذ الاستراتيجي وبين المخاطر العملياتية والتوترات الإقليمية، و تندرج في إطار استراتيجية دفاعية أمريكية أوسع في الشرق الأوسط.
وتناول الموقع الكندي، في تقرير ترجمته وكالة شفق نيوز، القرار الأمريكي المفاجئ بسحب الولايات المتحدة قواتها من قاعدتي عين الأسد وفيكتوريا وإعادة نشرها في أربيل وفي دول مجاورة، واصفا إياه بأنه يعكس تغييراً كبيراً في الوضع العسكري الأمريكي في الشرق الأوسط.
واعتبر التقرير أن الهدف الأساسي لواشنطن هو الحفاظ على نفوذها في العراق وأيضاً حماية قواتها من المخاطر الجيوسياسية المتزايدة في الشرق الأوسط، مضيفاً أن واشنطن ومن خلال الانسحاب من قاعدتي عين الأسد وفيكتوريا، اللتين استهدفتها كثيراً من جانب الميليشيات المدعومة من إيران، فإنها تحد بذلك من ضعف قواتها أمام هذه الهجمات كما تقلل من إدارة المخاطر والكلفة السياسية لذلك، لأن من شأنها تأجيج التوترات بين واشنطن وبغداد وربما تورط واشنطن أيضا في نزاعات جديدة.
ورأى التقرير أن هناك اساساً منطقياً آخر يتمثل في حرمان طهران من الميزة التكتيكية والرمزية لمهاجمة الأهداف العسكرية الأمريكية في وسط وغرب العراق، مضيفاً أن واشنطن من خلال سحب قواتها هذا، تأمل في منع الانتصارات الدعائية الإيرانية، وفي الوقت نفسه الحفاظ على المرونة العملياتية.
إدارة الضغوط وأربيل
وفي حين ذكر التقرير بأن رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، يواجه ضغوطا متزايدة من مجلس النواب وبعض شرائح السكان لإنهاء "الوجود العسكري الأجنبي"، أشار إلى أن الانسحاب من عين الأسد وفيكتوريا سيؤدي إلى تخفيف بعض هذا الضغط.
وأضاف أن واشنطن تحتفظ في الوقت نفسه بوجود سري ولكنه فعال في أربيل ومواقع أخرى، مما يساعد الحكومة المحلية على الحفاظ على درجة من الاستقلالية، مشيرا إلى أن الوضع الجديد يخفف من التوترات بين بغداد وأربيل مع الحفاظ على القدرة العملياتية للقوات الأمريكية.
وأوضح التقرير أن تمركز القوات الأمريكية في أربيل يمكّن واشنطن من الاحتفاظ بقدرات السيطرة على الحريق والاستخبارات والمراقبة في أنحاء العراق وسوريا كافة، وإذا لزم الأمر إيران، مذكّرا بأن حكومة إقليم كوردستان أقامت بيئة آمنة سياسيا تعتبر فيها القوات الأمريكية حلفاء مقربين بدلاً من المحتلين، مما يتيح للقوات الأمريكية العمل بشكل أكثر استدامة.
عناصر القرار
وقال التقرير إن من العناصر المؤثرة على هذا القرار الأمريكي هو أن البيئة العملياتية في العراق، أصبحت عدائية بشكل متزايد، من خلال هجمات الميليشيات على القواعد في بغداد والأنبار، مضيفاً أنه برغم أن الدفاعات مثل "سي-رام" و"باتريوت" تخفف من بعض التهديدات، إلا أن الوابل المستمر يؤكد على مخاطر عمليات النشر الأمامية في البيئات المتنازع عليها.
ولهذا، يقول التقرير أن الانتقال إلى أربيل يحد بشكل كبير من التعرض للمخاطر بالنظر إلى أن الميليشيات المتحالفة مع إيران ستجد صعوبة أكبر في مهاجمة الأهداف في الشمال الكوردي، سياسيا ولوجستيا.
العامل الآخر بحسب التقرير، هو تراجع الشرعية المحلية للوجود الأمريكي الذي أصبح هدفا سياسيا مفيدا للفصائل العراقية التي تسعى إلى إثارة المشاعر القومية، منوها الى أنه من خلال تعديل انتشار القوات، فإن واشنطن تعالج هذه المشاكل من دون الاعتراف بأنها تعرضت لخسارة استراتيجية.
أما العامل الثالث بحسب التقرير، فإنه يتمثل في المزايا الاستراتيجية التي تتمتع بها أربيل، وهي 3 مزايا رئيسية، وهي الغطاء السياسي والأمان العسكري والمنفعة الجغرافية.
وتابع التقرير قائلاً إن البيشمركة اظهرت بالفعل موثوقيتها كقوة حليفة، كما أن حكومة الإقليم ترتبط بشكل وثيق مع مصالح الولايات المتحدة، في حين أن أربيل تقع في وضع استراتيجي لمراقبة المثلث بين إيران وسوريا وتركيا.
ووفقا للتقرير، فإن هذه الوضعية توفر الخدمات اللوجستية وقنوات الاتصال الأمريكية مع الحلفاء الإقليميين، وأيضا تتيح للقوات الأمريكية الرد بسرعة في مسارح العمليات المتعددة.
أما حول العامل الرابع، فقد قال التقرير أنه يتمثل في العمق الإقليمي في الدول العربية المجاورة، مبينا أنه من المعتقد أن واشنطن تبحث في نقل بعض قواتها إلى الدول العربية المجاورة، مثل الكويت أو الأردن، وهما توفران قواعد آمنة، وسهولة الوصول إلى سوريا والعراق، بالإضافة إلى العمق اللوجستي، حيث يشرف موقع على بلاد الشام الكبرى بشكل استراتيجي، أما الكويت فإنه بمثابة ساحة انطلاق للعمليات الأمريكية في العراق والخليج.
ولهذا، يعتبر التقرير أن هذين الموقعين يسمحان للولايات المتحدة بالحفاظ على قدرة التنقل السريع في جميع كل الشرق الأوسط من دون الالتزامات السياسية المرتبطة بالوجود المباشر في بغداد.
التداعيات الاستراتيجية
ورجح التقرير أن تقدم طهران خطوة الولايات المتحدة باعتبار أنها تراجع وانتصار رمزي لما يسمى بـ"محور المقاومة"، لكنه قال إن مثل هذا التفسير مثير للجدل لأن واشنطن لا تغادر العراق، وإنما تعيد تركيز جهودها في مناطق أكثر قابلية للتطبيق سياسيا وبالإمكان الدفاع عنها.
وبالإضافة إلى ذلك، قال التقرير إن الانسحاب يقلل من الضغط العام والبرلماني ويوفر لحكومة العراق تنازلا سياسيا رمزيا من دون الحاجة إلى انسحاب أمريكي كامل، مضيفا أن الاتفاق الناتج سيمكن واشنطن من استمرار الوصول إلى المجال الجوي العراقي، وتبادل المعلومات الاستخبارية، والوظائف الاستشارية المحدودة، مع تعزيز المكانة المحلية لبغداد.
وتابع التقرير أن من التداعيات أيضا هي آليات الردع مع تركيا، موضحا أنه من الميزات الأخرى غير المباشرة للوجود الأمريكي في أربيل، هي إنه يردع التوغلات التركية ضد الجماعات الكوردية، مذكّراً بأن القوات التركية هاجمت حزب العمال الكوردستاني في شمال العراق مرات عديدة، والآن فإن الوجود العسكري الأمريكي الواضح يعقد الحسابات التركية، لأن واشنطن تشير بهدوء إلى أن الأراضي الكوردية تقع ضمن منطقة المصالح الأمنية.
التأثير الجيوسياسي الإقليمي
وواصل التقرير الكندي بالقول إن إعادة التموضع الأمريكية لها آثار تتخطى العراق، حيث أنه من خلال إرسال قوات إلى أربيل والأردن والكويت، فإن الولايات المتحدة تحدد إطاراً مرناً يمكن استخدامه في حالة حدوث أزمة إقليمية، خصوصاً في إطار الصراع مع إيران.
واستطرد التقرير قائلاً إنه في حال هاجمت إسرائيل المنشآت النووية الإيرانية مجددا، فإنه بإمكان القوات الأمريكية في أربيل والدول المجاورة تقديم الدعم الاستخباري واللوجستي وربما حتى الدعم البري، مضيفاً أن هذا الموقف سيضمن احتفاظ واشنطن بالقدرة على أن تكون لاعباً رئيسياً في أي تصعيد مستقبلي يشمل سوريا أو إيران أو الخليج.
وخلص التقرير إلى أنه، من زاوية فعالية التكلفة والاستدامة الطويلة، فإن هذا التحول يتماشى مع الهدف الاستراتيجي الشامل لواشنطن المتمثل في الحفاظ على النفوذ في الشرق الأوسط مع الحد من تكاليف عمليات النشر الطويلة، لافتا الى أن الوجود الخفيف والأكثر قدرة على التحرك والمنتشر في جميع أنحاء أربيل والدول المجاورة، تقلل من الهشاشة، وتعزز من المرونة التشغيلية، وتقلص من التوتر السياسي.