أطول ليالي السنة.. كرمانشاه تستقبل "يلدا" بلا فرح (صور)

أطول ليالي السنة.. كرمانشاه تستقبل "يلدا" بلا فرح (صور)
2025-12-20T18:17:43+00:00

شفق نيوز- ترجمة خاصة

قبيل ليلة يلدا (ليلة 20-21 كانون الأول/ديسمبر وهي أطول ليلة في العام)، تبدو أسواق كرمانشاه ذات الاغلبية الكوردية في غرب ايران، مزدحمة لكنها بلا روح، حيث حوّل الغلاء المواطنين من مشترين إلى متفرجين، وجعل أطول ليالي السنة ليلة تنازل عن التجمعات العائلية.

وأفاد تقرير لوكالة مهر الايرانية للأنباء، وترجمته وكالة شفق نيوز، ان خريف كرمانشاه ذو الألف لون، وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة، فيما تتسلل برودة الشتاء من بين جبال "براو" و"بيستون" إلى أزقة المدينة. وفي التقويم العريق لأرض الأبطال، كانت ليلة يلدا، أو "ليلة چلە – الأربعين"، رمزا دائما لدفء التكاتف، وتلاوة الشاهنامة على ألسنة الكبار، وعبق الرمان ورائحة خبز الأرز الزكية. لكن هذا العام، لم تعد أطول ليالي السنة لدى كثير من مواطني كرمانشاه مقرونة بفرحة اللمّة، بل ارتبطت بهمّ لقمة العيش والخوف من التكاليف الباهظة.

يلدا التي كان يفترض أن تكون مناسبة لتبديد الأحزان وتجديد اللقاءات، تحوّلت اليوم تحت الظل الثقيل للتضخم إلى "يلدا بالملايين"، فمرّر الغلاء طعم التقاليد العريقة الحلو وجعله لاذعا.

جولة في سوق كرمانشاه التقليدي وأسواق الخضار والفواكه تظهر أنه رغم امتلاء واجهات المحال بالمكسّرات الزاهية والبطيخ المخزّن، فإن جيوب الناس لا تتناسب إطلاقا مع بطاقات الأسعار المعلّقة على هذه السلع. الغلاء المنفلت، الذي لم يعد ضيفا غير مرغوب فيه بل أصبح سيّد موائد الناس، أدى إلى التضحية بجوهر هذا الطقس الوطني، أي "صلة الرحم" واجتماع العائلات، على مذبح الأزمات الاقتصادية.

وفي محافظة تعاني أصلا من معدلات بطالة مقلقة، يصبح الحديث عن شراء الفستق واللوز، أو حتى إعداد ضيافة بسيطة من الفاكهة، مزحة مرّة لكثير من أرباب الأسر، لا تزيدهم إلا ضغطا نفسيا.

نظرة إلى النفقات الجارية تبيّن أن إقامة احتفال بسيط لعائلة مكوّنة من أربعة أفراد في كرمانشاه لم تعد ممكنة بأرقام اعتيادية. فإذا أراد عامل بسيط أو موظف أن يعدّ مائدة لزوجته وطفليه تحتوي على الحد الأدنى من رموز يلدا، فإنه يواجه، بحساب سريع، تحديا صادما. فشراء كيلوغرام واحد فقط من المكسّرات المشكلة (التي تحوّلت هذه الأيام من سلعة غذائية إلى كمالية)، وعدة كيلوغرامات من الرمان والبطيخ، إلى جانب إعداد عشاء بسيط، يتجاوز بسهولة حاجز المليونين إلى ثلاثة ملايين تومان. وهذا المبلغ، بالنسبة لعائلة تدير إيجار السكن وأقساط القروض وتكاليف دراسة الأبناء براتب خاضع لقانون العمل، يعني إنفاق نصف الدخل الشهري من أجل بضع ساعات من اللمّة.

هذه الحسابات القاسية هي ما رفع الجدران بين البيوت، وباعد المسافات العاطفية بين الأقارب. فآباء وأمهات كرمانشاه الذين كانت بيوتهم مفتوحة يوما لكل الأقارب، صاروا اليوم، خوفا من حرج "المائدة الخالية"، يخفّضون أضواء منازلهم ويختلقون الأعذار للتهرب من الاستضافة. الغلاء هو السبب الرئيس لهذا الانعزال الطوعي. فعندما يعادل سعر كيلوغرام واحد من الحلوى أو فاكهة الموسم أجر يوم كامل لعامل موسمي، يصبح من الطبيعي أن تنزلق الطقوس الوطنية، التي تقوم روحها على "الاجتماع"، نحو "الفردية" ثم إلى النسيان.

في هذا السياق، تبدو أسواق كرمانشاه مزدحمة، لكن هذا الازدحام أقرب إلى "المشاهدة" منه إلى الشراء. مواطنون يراقبون الأسعار، يهزون رؤوسهم، ثم يعودون إلى بيوتهم بأيد أكثر فراغا من العام الماضي. يلدا هذا العام، لعائلة كرمانشاهية من أربعة أفراد، اختبار قاس للصمود في وجه التضخم، اختبار يبقى فيه الحفاظ على الكرامة أمام الأبناء أصعب أجزائه. ويبدو أنه ما لم تتخذ إجراءات جذرية لكبح الأسعار وزيادة القدرة الشرائية، فإن يلدا السنوات المقبلة ستبقى أسيرة الحنين إلى ضحكات بلا هموم ولمّات صاخبة من الماضي، لتغدو أطول ليالي السنة مرادفا لإطالة معاناة المعيشة.

ولملامسة الواقع المرّ هذه الأيام، يكفي المرور في الشوارع الرئيسة لأسواق كرمانشاه، من "تاريكه بازار" إلى أسواق الخضار والفواكه في "آزادي". الضجيج حاضر، لكن من دون حماسة الشراء الكبيرة التي ميّزت السنوات الماضية. الأيدي في الجيوب، والعيون تنزلق فقط على بطاقات الأسعار.

الحاج "مراد"، أحد باعة المكسّرات القدامى في سوق كرمانشاه، وقد غزا الشيب وجهه، ينظر بحسرة إلى أكياس الفستق واللوز في متجره، ويقول: صدقوني، نحن أيضا غير راضين عن هذا الغلاء. عندما ترتفع الأسعار لا تزيد أرباحنا، بل يتناقص زبائننا. في الأعوام الماضية كان الناس يشترون المكسّرات بالكيلوغرامات في مثل هذه الأيام، أما هذا العام فقد وصل الحال إلى أن يطلب الزبون 100 أو 200 غرام فقط.

ويضيف، مشيرا إلى سعر الفستق الذي بلغ عنان السماء ووصل إلى مليون ونصف المليون تومان للكيلوغرام: "كثيرون يسألون عن السعر ثم يمضون. التاجر الذي لا زبائن لديه، متجره مطفأ، حتى لو كانت واجهته مضيئة".

غير بعيد، أمام محل فواكه، كان "حسيني"، أب لطفلين، يفرز الرمان. وحين سئل عن استعدادات ليلة يلدا قال: "أي استعدادات؟ عائلة من أربعة أفراد إذا أرادت مجرد عشاء عادي ثم قليل من التسالي، فعليها أن تدفع أجر أسبوع كامل لعامل. لذلك شطبنا يلدا العائلية وتجمع عدة أسر، وسنقضي هذه الليلة في بيتنا فقط". 

ويتابع هذا المواطن الكرمانشاهي: "في السابق كنا نجتمع في بيت الكبار، وكل شخص يجلب شيئا فتغتني المائدة. أما الآن، ومع أسعار الدجاج والأرز والفاكهة، يخجل المرء من الذهاب بيد فارغة، ومن جهة أخرى لا يقدر المضيف على إطعام جمع كبير. الغلاء جعل كل شخص ينكفئ على نفسه ويتخلى عن صلة الرحم".

وتظهر المعاينات الميدانية في أسواق كرمانشاه أن تكلفة حزمة بسيطة جدا (تشمل عشاء، كمية قليلة من المكسّرات الرخيصة، فاكهة وتسالي) لعائلة من أربعة أفراد هي كما يلي، ما يوضح أن مصطلح "يلدا بالملايين" ليس مبالغة بل حقيقة ملموسة.

فإذا أرادت العائلة عشاء "زرشك بلو مع الدجاج" (وهو طبق شائع في الولائم)، إلى جانب الاكتفاء بشراء البطيخ والرمان وكمية قليلة من المكسّرات، فإن الفاتورة النهائية ستكون صادمة: العشاء: نحو مليون تومان، المكسّرات (بالحد الأدنى والاقتصادي): نحو مليون تومان، البطيخ والرمان: ما لا يقل عن مليون تومان، وبذلك يصل مجموع تكلفة يلدا لعائلة من أربعة أفراد إلى نحو ثلاثة ملايين تومان.

في ظل الغلاء المنفلت الذي يخنق السوق، يبرز أكثر من أي وقت مضى إغفال الاستفادة من الإمكانات المحلية الضخمة لمحافظة كرمانشاه، بوصفها أحد الأقطاب الرئيسة للزراعة والمنتجات البستانية في البلاد. فالحلقة المفقودة في هذا السوق المضطرب هي سطوة السماسرة الذين يضاعفون الفارق بين "المزرعة والمائدة" لمصلحتهم. ومن هنا، تبرز ضرورة أن ينتقل المعنيون من الرقابات الشكلية والتفتيشات غير المجدية إلى استراتيجية تقوم على إحياء وتقوية وتوسيع "أسواق القرى"، وإقامة مراكز عرض للبيع المباشر في مختلف مناطق مدينة كرمانشاه الكبرى، وتوفير منصة للبيع دون وسطاء لمنتجات المحافظة عالية الجودة—من رمان باوه إلى جوز أورامانات والحلويات المحلية بأسعار معدّلة وخصومات خاصة، حل عملي ومتاح، يخفف العبء عن أرباب الأسر ويدعم المنتج المحلي، ولا يسمح بانطفاء دفء أطول ليالي السنة تحت وطأة الأسعار وسوء الإدارة.

ونقل التقرير عن مدير التعاون الريفي في محافظة كرمانشاه، إيرج صفائي، قوله: "من أجل تأمين فاكهة جيدة وبأسعار مناسبة لليلة يلدا، تم توفير كميات كافية من التفاح والبرتقال (تامسون)، وبدأ توزيعها منذ يوم أمس في سوق القرى بمدينة كرمانشاه وبعض أسواق القرى في الأقضية".

وأضاف أن هذه الخطوة تهدف إلى ضبط السوق ومنع ارتفاع الأسعار في الأيام التي يزداد فيها الطلب على الفاكهة، موضحا أن برتقال تامسون جلب من محافظة مازندران، والتفاح من قضاء أشنويه في أذربيجان الغربية.

وأكد صفائي أن توزيع هذه الفواكه يتم تحت إشراف مفتشي "بسيج الأصناف"، وتعرض السلع الخاصة بليلة يلدا بأسعار رسمية معتمدة ضمن سياسة تنظيم السوق، مشيرا إلى أن أسواق القرى تؤدي دورا مهما في التوزيع المباشر ودعم المستهلكين، وأن هذا النهج سيستمر في مناسبات مختلفة.

معرض البيع المباشر لسلع ليلة يلدا في كرمانشاه

كما نقل التقرير عن معاون الشؤون الإدارية والتنفيذية لمعرض كرمانشاه الدولي، حامد وفابور، قوله: "بدأ معرض البيع المباشر للسلع الخاصة بليلة يلدا في الموقع الدائم للمعارض الدولية بكرمانشاه، في نهاية متنزه شاهد، وسيستمر لمدة خمسة أيام".

وأضاف أن ساعات الزيارة يوميا من الساعة 15 حتى 21، ويمكن للمواطنين خلال هذه الفترة التوجه لشراء احتياجاتهم.

وأوضح أن المعرض يضم أنواع المكسّرات والحلويات والشوكولاتة والمواد الغذائية والهدايا، مع توفير تنوع مناسب من السلع الأكثر استهلاكا في ليلة يلدا.

وبيّن أن المعرض يضم 86 جناحا، خصص منها 50 جناحا للحلويات والشوكولاتة والمكسّرات والفواكه المجففة، و36 جناحا لعرض مختلف المنتجات الغذائية.

وأشار إلى مشاركة عارضين من محافظات كرمانشاه وطهران وأصفهان وهمدان وكوردستان وأذربيجان الشرقية، ما أسهم في تنوع المنتجات وزيادة خيارات المواطنين.

وأكد أن جميع السلع المعروضة تباع بخصم 10%، لتمكين المواطنين من شراء مستلزمات يلدا بأسعار أنسب، موضحا أن الهدف من إقامة المعرض هو تأمين السلع دون وسطاء وبأسعار مناسبة، مع توفير منتجات جيدة تضمن شراء اقتصاديا وآمنا.

ورغم أن إقامة معارض البيع المباشر وتوزيع الفاكهة بأسعار تنظيمية تعد خطوات إيجابية لتخفيف أعباء المعيشة، فإن واقع السوق وشكاوى المواطنين تظهر أن هذه المسكنات المؤقتة والمحدودة لا تكفي لعلاج الألم العميق للغلاء في مدينة كرمانشاه.

اليوم، يطالب الرأي العام بحقّ الجهات الاقتصادية المعنية بالانتقال من الإجراءات الظرفية إلى "تثبيت وتوسيع وديمومة"، نماذج مثل "أسواق القرى" ومعارض البيع المباشر في جميع المناطق الحضرية؛ إذ إن اللامركزية في التوزيع وإنشاء سلسلة مباشرة بين المنتج المحلي والمستهلك هو الحل العملي الوحيد لإزالة الوسطاء الجشعين وكسر فقاعات الأسعار.

ومن المنتظر أن تبسط الأجهزة الرقابية مظلتها على السوق بشكل مستمر وحازم، لا شكليا في أيام المناسبات فقط، حتى لا تسحق التقاليد العريقة - التي تشكل نسيج الأسرة الكرمانشاهي الثقافي والعاطفي - تحت عجلات التضخم.

Shafaq Live
Shafaq Live
Radio radio icon