بمجموعة توصيات.. "المجلس الأطلسي" يدعو العراق لبناء جسور جديدة مع سوريا

شفق نيوز/ حث معهد "المجلس الأطلسي" الأمريكي، العراق على فتح "صفحة جديدة" وبناء الجسور مع سوريا "الجديدة"، على الرغم من العرقلة التي تمارسها قوى وميليشيات مرتبطة بإيران.
واعتبر المعهد في تقرير له أنه بإمكان بغداد أن تستفيد في ملفات الزراعة والتعاون الاقتصادي وخصوصاً في قطاع الطاقة، بالإضافة إلى الأيدي العاملة السورية، والتنسيق الأمني المشترك، بما في ذلك تحديدا الأمن الحدودي والقدرة على مواجهة تداعيات تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حول تقسيم سوريا والتي تشكل تهديداً مباشراً لسلامة حدود العراق وأمنه الداخلي.
وبعدما قال التقرير الأمريكي، الذي ترجمته وكالة شفق نيوز، أن موقف بغداد من التطورات المتسارعة في سوريا ينقسم بين معسكرين، الأول هو الحكومة الرسمية، والثاني هو موقف الأطراف الفاعلة غير الحكومية القوية، أوضح أن رد الفعل الأولي للحكومة اتسم بالحذر بما في ذلك إغلاق الحدود ونشر قوات، مضيفاً أن بغداد تحولت تدريجيا نحو نهج أكثر براغماتية، وأرسلت مسؤوليها في زيارات رسمية الى دمشق، وتوجت هذه الجهود باجتماع رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني في أبريل/نيسان مع الرئيس السوري احمد الشرع.
وفي المقابل، قال التقرير الأمريكي إن هناك قوى تابعة لإيران، تعارض علانية جهود التطبيع هذه، مذكراً بأن للميليشيات العراقية تاريخ طويل من العداء تجاه بعض الجماعات المسلحة التي انخرط فيها الشرع في السنوات الماضية، والتي شاركت في غزو العراق في العام 2014، مسيطرة على ثلث الأراضي العراقية، في حين تؤكد الميليشيات العراقية حتى الآن على ضرورة "حماية" المواقع الشيعية المقدسة.
وبعدما قال التقرير إن ديناميكية العلاقات بين بغداد ودمشق تغيرت بشكل كبير بعد العام 2011 مع اندلاع "الربيع العربي" والانتفاضة المعارضة للرئيس السوري السابق بشار الأسد، أشار إلى أن إيران اغتنمت الفرصة للتوسط في علاقة جديدة بين البلدين، مضيفاً أن العلاقات الاقتصادية بينهما صمدت على الرغم من التغييرات الأمنية.
وأشار إلى أن العراق استمر في استيراد المنتجات الزراعية من سوريا بالإضافة إلى المواد الغذائية والمنسوجات والسلع البلاستيكية والأدوية والعديد من السلع الأخرى، حيث شكلت المنتجات السورية 80% من الأسواق العراقية، لكن هذه النسبة انخفضت إلى 5% فقط بعد ديسمبر/كانون الأول 2024، مع سقوط الأسد.
المياه والغذاء والوقود
واعتبر التقرير أن العراق لم يستغل امكاناته الزراعية بالشكل الكافي لسنوات، واعتمد على سوريا من أجل ضمان أمنه الغذائي، مضيفا أنه من خلال تعزيز العلاقات الاقتصادية مع سوريا عبر الاتفاقيات التجارية، وبنية تحتية للنقل، والاستثمارات، سيكون بمقدور العراق أن يضاعف ثمار التعاون وضمان أمن المياه والغذاء والوقود.
ومن خلال استئناف تشغيل خط انابيب كركوك - بانياس النفطي، مباشرة إلى البحر الابيض المتوسط، قال التقرير إن العراق سيكون قادراً على تحقيق مكاسب اقتصادية كبيرة، وسيزيد طاقة العراق على تصدير النفط بمقدار 300 ألف برميل يوميا، مشيراً إلى أن التفاوض على وصول العراق إلى الموانئ السورية المطلة على البحر، سيتيح له تنويع خياراته التجارية وسلسلة التوريد العالمية، كما أنه سيخفض تكاليف استيراد السلع والبضائع الأوروبية إلى العراق وأجزاء أخرى من المنطقة.
ورأى التقرير أن قطاع الطاقة العراقي من خلال مؤسساته وإمكاناته، قادر عبر شركات النفط العراقية أن يستثمر في الموارد الطبيعية السورية، مذكراً بأن تراجع نفوذ إيران في المنطقة لم يخلق فراغا سياسيا فقط، بل فراغا اقتصاديا أيضاً.
وبما أن نفقات طهران في سوريا تراوحت بين ثلاثين مليار دولار أمريكي وأكثر من خمسين مليار دولار أمريكي، وكانت استثمارات إيرانية بمئات الملايين من الدولارات قيد الإنشاء وقت تغيير النظام.
وأشار إلى أن العراق يستضيف ما بين 800 ألف ومليون عامل أجنبي، غالبيتهم من جنوب شرق آسيا، حيث يحول العديد منهم أرباحهم بالدولار إلى بلدانهم الأصلية، وهو ما يستنزف 8 مليارات دولار من العملات الأجنبية سنويا، مضيفاً أن أمام بغداد الآن فرصة ذهبية لتعزيز اقتصادها وعلاقاتها الإقليمية من خلال تسهيل دخول العمال السوريين وتوظيفهم بشكل قانوني في القطاع الخاص.
لكن التقرير أكد على أهمية تحقيق الاستقرار الأمني أولاً قبل الازدهار الاقتصادي، لافتاً إلى أن العراق وسوريا لديهما فهم أعمق للتحديات الأمنية الخاصة بكل منهما، مذكراً بأن حدودهما المشتركة شهدت صعود وسقوط جماعات متطرفة كانت وراء بعض أعنف الصراعات التي راح ضحيتها مدنيون في السنوات الأخيرة، مشيراً إلى أن الحوادث الأمنية على الحدود لا يمكن معالجتها إلا بالتعاون بين العراق وسوريا.
وفي إطار مشابه، قال التقرير إن تصريحات نتنياهو حول تقسيم سوريا إلى 4 أقاليم لإنشاء ما يسمى "ممر داوود"، تشكل تهديداً مباشراً لسلامة حدود العراق وأمنه الداخلي، ولهذا اعتبر التقرير أنه يتحتم على العراق، بالإضافة إلى الجهات الإقليمية الأخرى، أن تطرح نهجا مشتركا لدحض هذه الاجندة السياسية الجوفاء وقصيرة النظر، حيث أن سوريا مقسمة، سيكون مخاطرة بأن تتحول إلى بؤرة دائمة لعدم الاستقرار الإقليمي.
توصيات لحكومة العراق
وبعدما قال التقرير إن العراق في ظل المنعطف التاريخي في المنطقة، أمامه فرصة نادرة للبدء بصفحة جديدة مع سوريا، أعاد التذكير بالترهيب المستمر من جانب الميليشيات الذي تسبب بانسحاب وإلغاء مشاركة العديد من رؤساء الدول في القمة العربية الأخيرة بمن فيهم الشرع، اعتبر التقرير أنه يتحتم على الحكومة العراقية أن تطبق اليات لتنظيم ومحاسبة الميليشيات وغيرها من الجهات الفاعلة غير الحكومية التي تتعارض مواقفها العامة مع السياسة الرسمية للدولة وتهدد بتقويض العلاقات الدبلوماسية للعراق.
ودعا التقرير إلى فتح قنوات اتصال بين الحكومتين العراقية والسورية، ومواصلة الزيارات الرسمية المنتظمة إلى سوريا، بما يضمن انخراط العراق في القرارات الحاسمة والاستراتيجية التي تواجهها الحكومة السورية، وضمان مقعد لها على طاولة العملية الانتقالية.
كما اقترح التقرير ألا يقتصر التواصل على المستوى الحكومي، وانما يشمل ايضا المجتمع المدني، والمجتمعات المحلية، وزعماء العشائر ورجال الدين.
واقترح التقرير كذلك إقامة تعاون أمني رفيع المستوى، بما في ذلك استثمارات فورية في المعابر الحدودية والمدن، لمنع عودة ظهور الجماعات المتطرفة وأنشطة التهريب عبر الحدود المشتركة، بالإضافة إلى استمرار بغداد في تحديد الفرص الاقتصادية وتعزيزها بمذكرات تفاهم واتفاقيات تجارية وصفقات استثمارية، إلى جانب تفعيل مجلس الأعمال السوري العراقي في ظل تزايد جهود إعادة الإعمار في سوريا.
وإلى جانب ذلك، أوصى التقرير بقيام بغداد بتقنين وضع السوريين الراغبين في البقاء في العراق كجزء من القوى العاملة، وعلى وزارة العمل العراقية أن تحدد الإطار القانوني لتشجيع لتحفيز توظيف العمالة السورية الماهرة في القطاع الخاص العراقي، وهو ما سيؤدي إلى الحد من تدفق العمال المهاجرين غير النظاميين وغير المسجلين، وتقليص تدفق العملات الأجنبية إلى الخارج، وتلبية احتياجات التوظيف في القطاع الخاص.
وختم التقرير بالقول إنه خلال السنوات الـ13 الماضية، اتسم دور العراق في سوريا بالصعوبات والتعقيد، إلا أنه أمام الادارة العراقية الحالية فرصة فتح صفحة جديدة والمساهمة في رسم مستقبل يسوده السلام والتعاون الإقليمي.
ترجمة: وكالة شفق نيوز