عصر ما بعد لوزان

عصر ما بعد لوزان

بدر اسماعيل شيروكي

2023-07-26T14:59:54+00:00

في الرابع والعشرين من تموز من عام 1923 وفي ظل الطقس الجميل لمدينة لوزان السويسرية، قام التحالف الذي يضم بريطانيا وفرنسا واليابان واليونان ورومانيا وصربيا وكرواتيا وسلوفينيا وتركيا، بالتزامن مع مراجعة معاهدة سيفر لسنة 1920، بمناقشة قضية خطيرة جيوسياسية وانسانية واخلاقية ساخنة جدا؛ بل حارقة، وتم وضع أسس ومبادئ معاهدة جديدة، كانت في الأساس لترسيم الحدود لتركيا الجديدة وتقسيم ميراث الدولة العثمانية. ولكن هذه المعاهدة التي مر عليها قرن كامل اليوم، لم تسهم في خلق بيئة سياسية واجتماعية وثقافية وعسكرية لأربع دول هي إيران والعراق وتركيا وسوريا، بل اغرقتها في سياق جيوسياسي واقتصادي وأمني وإنساني متشابك، فقد أدخلت جميع المناطق والبلدان الأخرى حول هذه الدول الأربع في العديد من المشاكل الأمنية والعسكرية والإنسانية التي لم يتم إيجاد الحلول لها.

وقبل ذلك تمت صياغة معاهدة سيفر بعد الحرب العالمية الاولى من اجل تفكيك الأراضي التي كانت تسيطر عليها الامبراطورية العثمانية، بشكل يتناسب مع الوعود وتحديد التوجه لضمان حق تقرير المصير للشعوب التي كانت خاضعة للامبراطورية العثمانية، ومن بينها الشعب الكوردي وكوردستان، وظهر جليا على تلك المعاهدة علامات الاستعجال والقصور وعدم تقييم الأمور وعدم استعادة وعي المصالح التي ترنو إليها الدولتان المنتصرتان اي بريطانيا وفرنسا في تلك المناطق، لذلك في معاهدة لوزان كانت أولوية الاهداف تتمحور حول ترتيب وجدولة القوى الجديدة في المنطقة والمحافظة على المصالح الاستراتيجية للمنتصرين في الحرب، اكثر مما اهتمت بحق تقرير المصير او دولة للكورد كما كان موجودا في معاهدة سيفر.

ان العيش تحت ثقل القيود الظالمة للمؤسسات القمعية ما بعد معاهدة لوزان وان كان مليئا بالسحق والابادة الجماعية والسجن وتذويب اللغة والجغرافية والثقافة، وبالنسبة للكورد في الاجزاء الاربعة خلقت وضعا اشبه بجهنم حقيقية، ولكن المعاهدة نفسها حققت للشعوب المنتصرة الحصول على الاراضي والجغرافية الكوردية ولكنها لم تحل تباشير للسعادة والتهلل والحياة الرغيدة والهدوء، فسواء كانت بحلول الكوارث او بقيام الشعب الكوردي بالنضال والكفاح وهذا ما جعل من بناء الدولة في تلك الدول الاربع، دوما على خط النار وكان هذا واحدا من تلك الاسباب التي لم تمكن الدول كانظمة مطلقا ان ترسخ اقدامها في الارض، والعيش في ظل الامان الاجتماعي والعسكري والاقتصادي والعيش الرغيد.

فالاتراك والدول الثلاث الاخرى، التي تحصلت على اجزاء من كوردستان استنادا الى تقسيمات سايكس بيكو، اقامت دولا عرقية مهيمنة على جغرافيا محتلة و عدم استقرار عرقي وانساني، بحيث لم تتوافر على اية ارضية وظروف سياسية ومجتمعية لتشكيل شعب موحد له مصير واحد وهي الاسس الاساسية لتشكيل الدولة القومية.

ومن هذا المنظور فان عراق مابعد معاهدة لوزان، يعيش منذ مائة عام كاملة في ظل الحروب وسوء الطالع وانعدام الامن والاستقرار الاجتماعي وعلى مستوى السلطة ايضا، وبعد تغييرين وتوالي عشرات الدكتاتوريين والحكام الدمويين على السلطة، لم يستطع لحد الان بناء نظام وادارة مدنية وتوفير ابسط حقوق العيش للمواطنين الساكنين في البلاد التي اختار لها البريطانيون اسم العراق.

في اقصى شمال اراضي الكورد، الدولة الكوردية وبسبب المسألة الكوردية وتداعيات لوزان التي اضرت بها، غير ثمن غال اقتصادي وانساني وثقافي واثني وجغرافي، منذ مائة عام تعاني من المشكلات المعمقة التي لا حل لها في الجوانب الامنية والثقافية وانعدام العدالة وعدم التوحد الانساني والاجتماعي، على اكثر من نصف اراضيها، ومنذ عشرات السنين، بقيت اكثر واهم اهدافها الاستراتيجية السياسية والقومية وواحد منها الحصول عضوية الاتحاد الاوربي معلقة بسبب هذه القضية التاريخية.

وفي غرب جغرافية الكورد، اوصل بركان القضية الدولة السورية الى حافة التمزق والانفكاك والاحتلال، وكذا في الشرق ايضا فان اعظم واعمق معضلات الدولة، هي تلك الحفرة الامنية والخط القاطع السياسي والمجتمعي والنضال من اجل الحقوق على طول القرن المنصرم، كان ثمنه اعظم التكاليف والامكانيات الحربية والعسكرية والامنية التي خصصتها لهذا الغرض.

لقد حرمت لوزان الكورد من الدولة وحق تقرير المصير وجميع المكتسبات الانسانية الاخرى وحياة متوازية ومتوازنة مع الشعوب الحرة الاخرى، وادخلت رقبتهم في سلاسل الاسر والقهر طويل الامد، ولكن من لحاظ كشف اسرار الحقائق، فان التاريخ يخبرنا ان الهيمنة على اراضي الكورد لم يكن للشعوب والامم والمواطنين الساكنين في اطار تلك الدول الاربع بدون تكاليف ومعاناة وعقبات.

وعلى هذا الاساس، لا يجوز في المستقبل، وبسبب انفتاح المجتمعات والتوسع وعدم السيطرة على تكنولوجيا الاتصالات والقدرة على اخفاء التسلط نتيجة المطالب العالمية لتوفير موضوع الحرية ومناهضة الاضطهاد القومي، ان يتمكنوا التغلب على الازمات المتنوعة داخل الحدود المحتلة وتحقيق الانتصارات اكثر مما حققوه في الماضي.

ولكن الامر الجدير بالانتباه، بعد مائة عام لا يبدو ان الكورد قد فهموا عمق الاعتراف والتوافق الاقليمي والعالمي على الاعراف والقرارات التي جعلت منها معاهدة لوزان في القانون الدولي حقيقة راسخة وجزءا من السيادة الثابتة للدول الأربع الموجودة التي تقاسمت اراضي الكورد، لاننا (نحن الكورد) لحد الان نهتف ملء الاشداق وبكل عنفوان نحفظ تاريخ انتصارات المحتلين، من دون ان نعرف بشكل كامل روح وكنه ومضمون وجهات النظر والقوانين ومنهج التصدي لتحقيق الحرية القومية، في عالم متغير ما بعد لوزان وعصر العولمة والاقتراب من مرحلة مابعد الدولة والقومية العرقية.

ترجمة: ماجد سوره ميري

Shafaq Live
Shafaq Live
Radio radio icon