"زواج المصلحة" بين العشائر والاحزاب هل ينتهي بـ"الطلاق"؟

"زواج المصلحة" بين العشائر والاحزاب هل ينتهي بـ"الطلاق"؟
2021-09-30T12:11:19+00:00

شفق نيوز/ تناول موقع "وور أون روكس" الأمريكي الديناميكية المتغيرة في علاقة العشائر العراقية بالحياة السياسية والأحزاب، ملاحظا غيابها تقريبا عن مشهد الحملات الانتخابية لسببين رئيسيين، لكنه خلص إلى انتخابات 10 أكتوبر المقبل، ستكون بمثابة اختبار مهم لما إذا بامكان للعشائر ان تلعب دورا أكبر في الساحة السياسية الرسمية مستقبلا. 

وفي تقرير كتبته الباحثة في معهد دراسات الشرق الأوسط في "كينغز كولدج لندن" اليسون بارغيتير وترجمته وكالة شفق نيوز؛ اعتبر ان العشائر العراقية لطالما تميزت بأنها لاعب رئيسي في السياسة العراقية، لكن مع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية، فإن التجمعات والاحتفالات العشائرية الكبيرة التي تسعى الكتل السياسية عادة لمغازلتها، غائبة بشكل ملحوظ. 

واشار التقرير الى انه بخلاف السنوات الماضية، لا يتدافع القادة السياسيون فوق بعضهم البعض لزيارة صاحب الضيافة العشائري، او بيوت الضيافة، او اقامة العزائم الباذخة، أو توزيع الهدايا من المسدسات الى قطع الأرض، على أمل كسب الدعم العشائري.

لكن التقرير اعتبر أنه من الخطأ الافتراض أن ذلك يعني تضاؤل ​​السلطة العشائرية، مضيفا ان التغييرات السياسية الاخيرة أتاحت للعشائر الضغط من أجل ممارسة دور جديد يمكن ان يكون اكثر قوة. واوضح ان العشائر من خلال تصوير نفسها سياسيا على انها "الممثلة الحقيقية للشعب"، تسعى الى التخفيف من قبضة الاحزاب، او على الاقل اعادة صياغة علاقاتها معهم من أجل التحول من كونها مجرد قوة تعبئة تخدم مصالح الحزب، لتصبح أكثر فاعلية وحزما سياسيا.

ولهذا اوضح التقرير؛ ان هناك سببين رئيسيين لذلك، اولا، ان العشائر في ظل الكراهية العامة للطبقة السياسية، خاصة بعد الاحتجاجات التي اندلعت في اكتوبر/تشرين الاول 2019، فإنها تخشى ان يتم النظر إليها على أنها منخرطة بشكل قوي او علني مع السياسيين. واشار الى ان هذا الوضع ينطبق على بشكل خاص على العشائر الشيعية في الوسط والجنوب حيث جرى قمع الاحتجاجات بقوة، وحيث تحاول العشائر النأي بنفسها علنا على الأقل، عن الكتل السياسية. 

أما السبب الثاني، فهو تطبيق قانون الانتخاب الجديد الذي يلغي نظام التصويت القائم على القوائم ويزيد من عدد الدوائر، وهو ما أتاح للمرشحين المحليين بشكل أكبر إمكانية إحداث تغيير في الديناميكية القائمة بين الكتل السياسية والعشائر، ما يمثل بالنسبة الى العشائر فرصة لتأكيد نفسها وفرض أجنداتها الخاصة.

واعتبر التقرير؛ أنه في حين ان العشائر لا تزال جهة لاعبة واحدة من بين العديد من اللاعبين، الا ان هذه الانتخابات يمكن أن تمنحها قوة تفاوضية أكبر، مضيفا أنه من خلال ذلك فإن الانتخابات ستكون بمثابة اختبار مهم لما إذا كان يمكن للعشائر أن تلعب دورا أكبر في الساحة السياسية الرسمية في المستقبل.

زواج المصلحة

اشار التقرير الى ان العشائر كانت دائما بمثابة قاعدة انتخابية مهمة للكتل السياسية، خاصة في المناطق التي يكون فيها للكتل نفوذ محدود، حيث عملت العشائر تقليديا جنبا الى جنب مع الكتل السياسية لضمان انتخاب مرشحين محددين يخدمون مصالح الطرفين. 

وتابع أنه في خارج المراكز الحضرية الرئيسية، فان العشائر لا تزال تسيطر على نفوذها، وحتى في المدن فإنها ما تزال تمثل قوة جماعية فعالة وواقعا اجتماعيا. واشار الى انه كتعبير عن هذا التأثير، فإن العديد من الشيوخ استخدموا العبارة نفسها: العشائر هي رافعة انتخابية ترفع السياسيين إلى السلطة".

ومع ذلك؛ اعتبر التقرير أن ذلك لا يعني ان العشائر ثابتة ولا تتغير، فهي برغم انها كيانات معقدة إلا أنها متغيرة وتتطور وتتكيف وفقا للبيئة السياسية والامنية المتغيرة، كما أن العشائر شديدة البراغماتية. وتابع التقرير أنه "في حين يتم تصوير العشائر غالبا على أنها معارضة للدولة والتحديث، إلا أنها "كانت على مر التاريخ مستعدة للعمل مع أي شخص في السلطة لتعزيز مصالحها". 

واشار التقرير الى العمل مع الكتل السياسية الشيعية التي سيطرت على المشهد السياسي في العراق منذ العام 2005، وهو ما يمثل "تحالفا غريبا" بالنظر إلى الاسلاميين السياسيين، مثلهم مثل القوميين من قبلهم، ملتزمون بايديولوجية لا تتوافق بشكل سهل مع القيم العشائرية. 

ونقل التقرير عن الشيخ عدنان الدنبوس، زعيم قبيلة كنانة  قوله؛ إن "الاسلاميين السياسيين حريصون على استخدام العشائر ولكن المفارقة أنهم لا يحبون العشائر. هم ضدهم في خطابهم". 

وتابع ان الكتل الشيعية المختلفة حاولت احتضان العشائر، خاصة في الوسط والجنوب. 

واشار الى ان الاحزاب تدرك أن الطريق الأضمن للنجاح هو جذب الدعم العشائري قبل الاقتراع. 

وتابع أن هذا لا يعني ان العشائر وقفت وراء حزب او كتلة سياسية معينة، مشيرا إلى أنه لم يكن هناك توجه سياسي موحد داخل معظم العشائر منذ الخمسينيات، وإنما تنقسم العشائر الى تيارات سياسية مختلفة، ولم يعد الشيخ يفرض على القبيلة كيفية التصويت، لكن على المستوى المحلي، كان شيوخ العشائر بإمكانهم تحديد الاتجاه العام لعشيرتهم نحو مرشح معين مقابل الوعد بالوظائف والخدمات في المناطق المحرومة والمتخلفة في كثير من الأحيان. 

بعبارة أخرى، يقول التقرير، إن الشيخ يؤمن الأصوات، فيما يقدم الحزب الخدمات، ما يشكل في الأساس "زواج مصلحة".

ونقل التقرير عن الباحث العراقي عمار العامري قوله إن "العشائر تزود المرشح وتدعمه بالأصوات، لكن الحزب السياسي يقدم الهدايا والمال للحملة والترقيات التي تضمن فوز المرشح". 

ولهذا، يعتبر التقرير أن العشيرة تمثل قوة تعبئة أكثر من كونها شريكا. 

وأشار إلى أنه لهذا السبب، تميزت فترة ما قبل الانتخابات عادة بقيام السياسيين بزيارات للعشائر والشيوخ في مضايفهم وحضور التجمعات الكبيرة حيث يتم الاحتفال بالطقوس القبلية، ويسعى المرشحون "للظهور جانب زعماء العشائر ويرتدون ملابس خاصة بمنطقة او عشيرة"، أو يعلنون "الولاء للعشيرة، ويمجدون دورها وتاريخها، ويتعهدون بالدفاع عن مصالحها". 

"تأثير اكتوبر"

ذكر التقرير؛ أن الفترة التي تسبق انتخابات العام 2021 برهنت على أنها مختلفة بعض الشيء، حيث سعت العشائر إلى النأي بنفسها، علنا على الأقل، عن الاحزاب، وان الاحتفالات الكبيرة والزيارات العامة للقادة السياسيين اما انها لم تحدث او تم تخفيفها، وهو ما كان الحال عليه بشكل خاص في المحافظات الوسطى والجنوبية التي شهدت التظاهرات الجماهيرية منذ أكتوبر العام 2019 فصاعدا. 

ونقل التقرير عن الشيخ رائد الفريجى من قبيلة الفريجات ​​في البصرة، قوله، "هناك بعض الزيارات من قبل بعض القادة السياسيين لبعض الشيوخ لمحاولة شراء الأصوات، ولكن بعد تظاهرات 2019 ، لم يعد من السهل قيادة الناس أو خداعهم". 

واعتبر التقرير؛ أنه بالرغم من ارتباط العشائر بالنظام السياسي، فإن العديد منها في هذه المناطق، وقف الى جانب المتظاهرين خلال التظاهرات، وقدمت الدعم المادي من خلال وسائل نقل وطعام ووفرت الحماية لهم. 

ونقل التقرير عن الشيخ علي سعدون، مستشار الشؤون العشائرية لرئيس مجلس النواب، قوله "تدخلنا لمنع القوات الامنية من استخدام العنف المفرط ضد المتظاهرين. وموقف العشائر كان دائما مع المتظاهرين اذا تعرض ابناؤهم للقتل". 

وبحسب التقرير، فإن العديد من العشائر في هذه المناطق كانت مترددة في إبرام تحالف وثيق او علني مع القادة السياسيين الذين يتحملون مسؤولية أحداث أكتوبر 2019. 

ونقل التقرير عن الشيخ ضرغام المالكي، من عشيرة بني مالك، وهو يخوض الانتخابات كمرشح، قوله "اننا مترددون في استقبال سياسيين معينين". 

وعوضا عن ذلك، فان العشائر تقدم نفسها علنا على أنها المدافعة عن الشعب ضد النخبة السياسية الفاسدة وغير الكفوءة. 

وقال ضرغام المالكي "الشيخ هو الأقرب إلى المجتمع. انه على اتصال بالناس. يستمع الى مشاكلهم، والسياسيون يتواصلون مع الناس فقط في وقت الانتخابات ثم يختفون". 

وخلص التقرير الى القول انه "تم تخفيف قبضة الاحزاب وهناك مجال أكبر للعشائر ليتم تقويتها بسبب القانون الانتخابي الجديد. 

واعتبر التقرير أن هذا المناخ الجديد لا يعني ان الاطراف السياسية تخلت عن محاولة استمالة العشائر أو أن "زواج المصلحة" بين العشائر والأحزاب قد اختفت. واضاف ان الكتل الرئيسية تدرك أنه في بلد شاسع كالعراق، حيث يكون نفوذها محدودا، لا يزال الدعم العشائري شرطا أساسيا من أجل نيل السلطة، وأن أي حزب لن يتمكن من حشد عدد كاف من المقاعد من دون إشراك العشائر.

وختم بالاشارة الى ان خريطة الدوائر الأصغر تعني ان العشائر ستكون في وضع أفضل لتأكيد نفسها في مواجهة هذه الكتل، مضيفا ان العشائر بطبيعتها، لن تشكل أبدا قوة سياسية متماسكة، وهي ليست في وضع يمكنها من تغيير المشهد السياسي بشكل جذري، لكن الانتخابات الحالية يمكن أن تكون بمثابة ميدان اختبار مهم للعشائر للعب دور اكبر واكثر حزما في ميدان السياسية الرسمية. 

وختم بالقول ان "هذا التغيير قد يكون بداية لتحدي الاحتكار السياسي للفصائل التي نهبت الدولة على مدى السنوات ال15 الماضية على الأقل، لكن من غير المرجح أن يتم دفع الديمقراطية في العراق الى الامام، فالعشائر ليست معاقل للديمقراطية، وهدفها الرئيسي هو ممارسة تأثير أكبر في مناطقهم وشؤونهم". 

ولفت الى أن العديد من شيوخ العشائر قد ينتقدون الأحزاب، لكن لا يوجد ما يشير الى انهم اذا ظهروا كقوة سياسية اقوى، فإنهم لن يسعون أيضا إلى استخدام الدولة كوسيلة لتقوية مصالحهم الخاصة". 

Shafaq Live
Shafaq Live
Radio radio icon