امبراطورية "افريقيا الفرنسية" في طريقها إلى الزوال وباريس تتراجع أمام انقلابات القارة السمراء

امبراطورية "افريقيا الفرنسية" في طريقها إلى الزوال وباريس تتراجع أمام انقلابات القارة السمراء
2023-09-12T10:07:08+00:00

شفق نيوز/ اعتبرت مجلة "جاكوبين" الامريكية ان الامبراطورية غير الرسمية التي تقيمها فرنسا في القارة الافريقية، آخذة بالتفكك والانهيار، وذلك بعد سلسلة من الانقلابات، وخصوصا الانقلابين الاخيرين في النيجر والغابون حيث تمت الاطاحة بنظامين موالين لباريس التي حاولت طوال عقود من الزمن الاحتفاظ بسيطرتها على مستعمراتها الافريقية القديمة عبر دعم الزعماء المحليين الاقوياء. 

وفي تقرير تحت عنوان "أفريقيا الفرنسية ماتت" ترجمته وكالة شفق نيوز، ذكّرت المجلة الأمريكية بإعلان الجنرال بريس اوليغوي نغوما كرئيس مؤقت للغابون، وذلك بعد عملية انتخابات زائفة للرئيس القديم علي بونغو، واعتقاله من قبل الجيش، مشيرة الى ان بونغو، هو بمثابة شريك فرنسي، وتولى زمام السلطة في العام 2009 بعد وفاة والده، الذي كان رئيسا مدى الحياة منذ العام 1967 خلال معظم الفترة التي تلت حصول الغابون على استقلالها عن فرنسا.

وأشار التقرير الأمريكي إلى أن انقلاب الغابون هو الثامن الذي يقع في مستعمرة فرنسية سابقة منذ 2020، مضيفا أن الانقلاب يعكس الارهاق الشعبي من سلالة عائلة بونغو، لكنه يشير أيضا الى تراجع نفوذ فرنسا.

وتابع التقرير ؛أنه في نفس يوم استيلاء الجنرال نغوما على السلطة، قالت وزيرة الخارجية الفرنسية كاثرين كولونا لصحيفة "لوموند"، أن "فرنسا أفريقياً ماتت منذ فترة طويلة"، مشيرة بذلك الى العلاقات التجارية والعسكرية الوثيقة التي حافظت باريس عليها في إمبراطوريتها السابقة خلال العقود التي تلت انتهاء الاستعمار رسميا.

وفي السياق، قال التقرير ان الاحداث الجارية في اماكن اخرى من منطقة الساحل الأفريقي، تظهر بشكل أكثر وضوحا، حجم المشاعر المعادية لفرنسا التي تؤدي الى تفكيك هذه العلاقات والحكومات المرتبطة بها. 

وعلى سبيل المثال، لفت التقرير الى حالة النيجر التي أطاح ضباط عسكريون فيها بالرئيس المنتخب ديمقراطيا المتحالف مع فرنسا محمد بازوم في أواخر يوليو/تموز الماضي، حيث بدأ المجلس العسكري الحاكم في التصدي لتهديدات التدخل العسكري التي شجعتها باريس من جانب مجموعة "إيكواس" الإقليمية التي تضم دولا من غرب أفريقيا، مثل نيجيريا والسنغال. 

واعتبر التقرير؛ أنه لم تعد هناك أهمية لحديث البعض في باريس عن "سياسة تجاه أفريقيا" حيث يتراجع نفوذ وقدرات فرنسا، مضيفا أن المستعمرات السابقة في منطقة الساحل وإفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، لديها صراعات داخلية خاصة بها على السلطة. وتابع قائلا الاستياء ضد الحكومات التي ينظر اليها على انها تابعة لباريس، يعكس أيضا عدم الرضا العميق عن الوجود العسكري الفرنسي، وعجزه عن الانتصار في "الحرب على الإرهاب"، وإزاء عادات باريس في دعم وسطاء السلطة المحليين.

وذكّر التقرير بأن باريس كانت أعلنت أنها طوت صفحة الابوية ما بعد الاستعمارية حيث تحدث الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون في بداية رئاسته العام 2017، أمام الطلاب في واجادوجو، عاصمة بوركينا فاسو، عن نهاية "السياسة الإفريقية" التي تنتهجها فرنسا. وتابع التقرير أن هذا التحول كان بطيئا في التنفيذ. 

ولفت التقرير الى عدم وجود نقاش عام في فرنسا، وحالة كبيرة من الاعتياد والجمود فيما يتعلق بالوجود الفرنسي في المنطقة، الامر الذي ادى الى تقوية موجة من الرأي المناهض لفرنسا، مدعومة جزئيا بحملات التضليل الروسي.

واشار التقرير الى ان فرنسا انخرطت منذ أوائل العام 2010، بعملية مطولة لمكافحة التمرد لدعم شريط الدول غير الساحلية من مالي وبوركينا فاسو إلى تشاد.

وأضاف التقرير: انه من المفارقات العجيبة أن درجة كبيرة من عدم الاستقرار الأولي الذي سعت القوات الفرنسية الى احتوائه، كان تفاقم بسبب التحرك دعمه الرئيس نيكولا ساركوزي، للاطاحة بالعقيد الليبي معمر القذافي في العام 2011. 

وبالاضافة الى ذلك، فان مالي وبوركينا فاسو شهدتا انقلابات ناجحة في عامي 2020 و2022 على التوالي، وبعد ذلك تحرك المجلس العسكري الجديد لطرد القوات العسكرية الفرنسية والموظفين الدبلوماسيين، وجرى نقل القوات الفرنسية إلى جانب الوحدة العسكرية الفرنسية في جمهورية افريقيا الوسطى، الى النيجر، التي تحولت الآن إلى مسرح للمواجهة حيث طالب المجلس العسكري باريس بسحب قواتها المتبقية البالغ عددها 1500 جندي واستدعاء سفيرها سيلفان ايتي.

لكن ماكرون، وفي خطاب ألقاه في 28 أغسطس/آب الماضي  أمام كبار السلك الدبلوماسي، دافع عن أدوار التدخل الفرنسية، مجددا رفضه الانصياع لمطالب المجلس العسكري في النيجر، وبأن الحكم الحالي فيها غير شرعي. ومع ذلك، فبحسب صحيفة "لوموند" الفرنسية في 6 أيلول/سبتمبر الحالي، فإن الجيش الفرنسي دخل في مفاوضات مع السلطات الجديدة في نيامي لتنظيم انسحاب نهائي لقوات التدخل. 

ونقل التقرير عن النائب الفرنسي المعارض ارنو لو غال قوله ان "النيجر كانت اخر جسر حقيقي للقوات الفرنسية في منطقة الساحل الأفريقي، وكانت ضرورية للغاية للوجود العسكري الفرنسي في المنطقة"، منتقدا عمليات التدخل العسكري الفرنسي في المنطقة بوصفها "فشل كبير"، مضيفا "نحن بصدد التعرض للطرد من دولة ثالثة في منطقة الساحل". 

وتابع التقرير؛ انه منذ الاطاحة برئيس النيجر بازوم، فإن ماكرون رفض أي مبادرات تجاه المجلس العسكري الحكام، وادان "وباء الانقلابات" مجددا التأكيد على الدعم الفرنسي لتدخل محتمل من قِبَل قوى "إيكواس"، مؤكدا على موقفه بانه "لا أبوية ولا ضعف".

لكن لو غال ينتقد ردود فعل فرنسا المتغيرة وغير المتسقة إزاء الاستيلاء على السلطة في هذه الدول الأفريقية، قائلا "ان التهديد العسكري هو بالضبط ما سيقوي المجلس العسكري في النيجر". وأشار لو غال ايضا الى ما يصفه بنفاق بمواقف، لافتا الى تناقض مواقفها من تولي محمد ادريس ديبي السلطة العام 2021 بعد وفاة والده إدريس ديبي الذي حكم تشاد منذ العام 1990 حيث ساندته، ولكنها راحت تدين الانقلابات في مالي وبوركينا فاسو والان النيجر.

الى ذلك، ذكر التقرير أن موقف ماكرون أثار مشاعر الدهشة على جانبي البحر المتوسط. ونقل عن مصادر دبلوماسية فرنسية قولها ان احتمال تدخل "ايكواس" في النيجر كان دائما احتمالا بعيد المنال، وكان يتحتم على مستشاري ماكرون ان يعلموا ان ذلك اما انه خدعة غير موثوقة من جانب رؤساء دول يتسمون بالحذر، أو أنها قراءة خاطئة ومتهورة لنفوذهم، مضيفا أن الجزائر وكذلك الهيئات القارية مثل الاتحاد الأفريقي رفضت التدخل العسكري المحتمل من جانب "إيكواس"، في حين أن وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن اعتبر أنه "لا يوجد حل عسكري مقبول". 

ونقل التقرير عن نيكولاس نورماند، الذي كان سفيرا لفرنسا في مالي بين عامي 2002 و2006، قوله إن موقف ماكرون "كان بمثابة المسمار الأخير المحرج للغاية في النعش"، حيث انه جرى تقديم نصيحة له "بشكل سيئ ويبدو أنه لا يفهم الموقف.. نحن ندعم شخصا خسرناه (رئيس النجير المخلوع) حيث أن احتمال استعادته السلطة ليس مرجحا في هذه المرحلة. ولهذا، يقول نورماند أن إدلاء ماكرون "بهذا النوع من التصريحات لا يؤدي إلا الى خلق مشاكل لنا".

ونقل التقرير عن مصدر فرنسي في المنطقة، طلب عدم الكشف عن هويته، متحدثا عن تهديدات ماكرون، بالقول انه "لم تعد لدى فرنسا الوسائل للقيام بذلك"، موضحا ان اعتبار فكرة أن فرنسا قادرة على تقرير ما يجري في مستعمراتها السابقة "هو شكل من أشكال العمى، لا سيما فيما يتعلق بقدراتنا الخاصة. وحتى الولايات المتحدة اليوم لم تعد لديها الوسائل اللازمة للتلاعب بالدول الأخرى كما كان ممكنا في الماضي". 

وبالإضافة إلى ذلك، ذكر التقرير أن ماكرون وجد نفسه على خلاف مع واشنطن، التي أظهرت استعدادها لاقامة علاقة مع السلطة العسكرية الجديدة في نيامي، حيث أرسلت واشنطن مساعدة وزير الخارجية فيكتوريا نولاند لمحاورة الانقلابيين في النيجر، كما عينت واشنطن كاثلين فيتزجيبون سفيرة في هذا البلد، وهما خطوتان، قال دبلوماسيون فرنسيون أنهما بمثابة صفعة على الوجه.

لكن التقرير اعتبر أن هناك أهمية لإقامة طريقة عمل ممكنة من جانب فرنسا مع إدارات الحكم الجديدة، بما في ذلك بسبب محاولات الاتحاد الأوروبي إغلاق طرق المهاجرين قبل وصولهم إلى البحر المتوسط. 

ونقل التقرير عن لو غال قوله "إن أوروبا تنظر الى هذه المنطقة حصريا من خلال منظور الهجرة، وهو ما يعزل ماكرون بدرجة كبيرة، لأنه راهن كثيرا على قدرته على تمثيل أوروبا في السياسة الخارجية والدفاع والاستقلال الاستراتيجي"، مضيفا  ان فرنسا "أدخلت 9 دول أوروبية في تدخلاتنا (العسكرية)، وتحول الأمر إلى إخفاق تام". 

وبخلاف أهمية الاستقرار، نقل التقرير عن مصدر فرنسي قوه ايضا ان النيجر لا تزال توفر 17 % من إمدادات فرنسا السنوية من اليورانيوم، وهي حصة كبيرة بالنسبة لدولة تعتمد على الطاقة النووية، و"لا يمكن تعويضها". وتابع قائلا في المقابل، أن 2% فقط من التجارة الخارجية الفرنسية تتم مع إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى.

وخلص التقرير الى القول انه مثلما هو الحال حول "الحروب الأبدية" التي تشنها الولايات المتحدة، هناك عنصر من اللاعقلانية في عناد المخططين الفرنسيين المستمر للتمسك بموطئ قدم في غرب أفريقيا. ونقل عن لو غال قوله ايضا ان السياسة الخارجية الفرنسية تنهار أيضا في ظل القيود المؤسسية، حيث ان قصر الرئاسة يسيطر بشكل شبه كامل على السياسة الخارجية، وهو ما يفسر عجز باريس الواضح عن تغيير استراتيجيتها.

وختم لو غال بالقول إن أساس المشكلة هو ان هذه الامور بالكاد تتم مناقشتها، مضيفا أن الولايات المتحدة كان لها نصيبها العادل من التدخلات الامبريالية الجديدة، الا انه جرت نقاشات حولها، وقام الكونغرس بعمليات تحقيق، مضيفا انه عندما أصبحت أفغانستان والعراق قضايا مثيرة للجدل، تعرض أعضاء السلطة التنفيذية للاستجواب من قبل الكونغرس، إلا أنه في باريس "لم يكن لدينا اي شيء من ذلك وهذا أمر صادم. البرلمان ليس لديه رقابة جدية على السياسة الخارجية". 

ترجمة: وكالة شفق نيوز

Shafaq Live
Shafaq Live
Radio radio icon