أرض السواد "مصفرّة".. رحلة 4 عقود من التجريف للزراعة العراقية

أرض السواد "مصفرّة".. رحلة 4 عقود من التجريف للزراعة العراقية
2024-03-13T16:46:06+00:00

شفق نيوز/ أربعة عقود من الجفاف وشح الأمطار وحرب المياه التي تشنها دول المنبع على العراق، تحولت أرض السواد إلى مساحات جرداء مصفرّة وتفشت الصحاري كوباء يجتاح البلاد، فمنذ ثمانينيات القرن الماضي بدأت عملية "القتل الجماعي" للزراعة في البلاد لتتفاقم بعد العام 2003 حيث بدأت ظاهرة تجريف الأراضي الزراعية وتحويلها إلى سكنية.

وكان العراق يملك 30 مليون نخلة غالبيتها في محافظة البصرة، لكن بسبب حرب الخليج الأولى في ثمانينيات القرن الماضي مع إيران، أدت إلى قتل الكثير منها وانتهاء الكثير من البساتين في هذه المحافظة نتيجة علميات القصف وتجريف البساتين، وفق مرصد "العراق الأخضر"، منظمة مدنية تعنى بالبيئة.

رحلة عقود من التجريف

ويضيف عضو المرصد عمر عبد اللطيف، لوكالة شفق نيوز، "أما في تسعينيات القرن الماضي فقد كان هناك أيضاً قصف على محافظة البصرة وعمليات حرق للبساتين التي كانت تأوي الثائرين على النظام السابق، ثم بدأت عملية القتل الجماعي بعد عام 2003 بسبب تجريف الأراضي".

ويوضح أن "50 ألف دونم من النخيل في البصرة تعرضت للتجريف وتحويل جنسها من زراعية إلى سكنية، وفي النجف، هناك نحو ألفي دونم من النخيل تعرضت للتجريف أيضاً وتحويل جنسها".

"بالإضافة إلى مشكلة قلّة المياه وتلوّثها في البصرة، والتي أدت إلى موت الكثير من أشجار النخيل في المحافظة، وبدأ عددها يتناقص إلى أن وصل إلى 21 مليون نخلة، وفق وزارة الزراعة، لكن ربما يكون العدد أقل"، يقول عبد اللطيف.

ويتابع، أن "العراق يمتلك 350 نوعاً من التمور، وتم تصدير 600 ألف طن من التمور قبل عامين، ما يستدعي من الجهات المختصة الاهتمام بالنخيل والحفاظ عليه في عموم العراق في ظل المجازر التي يتعرض عليها كما يظهر جلياً أيضاً في بغداد على طريق الدورة، حيث كان الفلاحون يتعمدون موت أشجار النخيل لكي يتم إزالتها وقلعها ومن ثم تحويل جنس الأرض".

يذكر أنه في 15 أيار/ مايو 2023، اشتبكت مجموعة مسلحة مع عناصر الشرطة الاتحادية في منطقة البوعيثة الزراعية وسط العاصمة بغداد، حيث كانت تلك المجموعة تحاول السيطرة على مساحة من الأراضي الزراعية لبيعها بشكل قطع سكنية بمساحة 100 متر مربع، حيث أدى الاشتباك إلى إصابة عدد من عناصر الشرطة الاتحادية.

ويواصل الفساد تمدده في العراق، ولكن بأشكال جديدة، ومنها غسيل الأموال المهربة عبر تجريف الأراضي الزراعية وتحويلها إلى مشاريع سكنية وأنشطة أخرى.

ووضع رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، مكافحة الفساد على رأس أولويات برنامجه الحكومي، وباشر فور تسلمه منصبه في تشرين الأول/ أكتوبر عام 2022 بالتقدم خطوات باتجاه تقديم الفاسدين إلى القضاء، إلا أن الفساد ما زال يتمدد ويأخذ أشكالاً عديدة.

ويصنّف العراق ضمن الدول الأكثر فساداً في العالم، في مؤشر مدركات الفساد لعام 2022 الصادر عن منظمة الشفافية الدولية، إذ جاء بالمرتبة السابعة عربياً والـ157 عالمياً من بين 180 دولة مدرجة على قائمة المنظمة.

مجرّفو الأراضي الزراعية

بدورها، أعلنت هيئة النزاهة الاتحادية، في 25 شباط/ مارس الماضي، في بيان ورد لوكالة شفق نيوز، عن ضبط 41 متهماً، و21 مركبة حمل و8 آليات "شفل"، بتهمة تجريف الأراضي في محافظتيّ البصرة وديالى.

من جهته، يقول مدير زراعة محافظة واسط، أركان مريوش، إن "أكثر الأراضي التي تعرضت للتجريف والعشوائيات هي التي ضمن حدود البلديات والتصميم الأساسي والمناطق القريبة على المدن".

ويضيف مريوش لوكالة شفق نيوز، "أما أكثر المناطق التي حصل فيها تجريف بمحافظة واسط فكانت في الكوت مركز المحافظة، حيث تمت خسارة مئات الدونمات بسبب التفتيت وتجريف الأراضي من قبل ضعاف النفوس، والبعض منهم من اللجان الذين كانوا متعاقدين مع دائرة زراعة المحافظة، لكنهم خالفوا القوانين والقرارات وقاموا بتفتيت الأراضي".

ويؤكد، أن "محافظة واسط تعد من أكثر المحافظات التي اتخذت إجراءات لمنع التجريف، وأي مخالفة كان يتم إحالتها إلى القضاء وهو بدوره يحاسب من قام بالمخالفة بحبسهم أو تغريمهم، كما قامت دائرة زراعة واسط بفسخ العقود الزراعية التي حصل فيها تجريف وإحالة أصحابها إلى المحاكم".

ويتابع، أن "اغلب الذين قاموا بتجريف الأراضي تمت إحالتهم إلى القضاء بالتعاون مع الحكومة المحلية في المحافظة، وكان لمحافظ واسط الدور الأساسي في معالجة هذه الظاهرة الخطيرة بالتعاون مع محكمة استئناف واسط".

ويشير مدير زراعة واسط، إلى أن "قرار 320 الذي أصدرته الحكومة المركزية نظم العملية نوعاً ما، بعد أن أصبحت الأحياء مدناً وتحتاج إلى خدمات وطرق، ما شكّل عبئاً على الحكومات المحلية، لذلك نظم هذا القرار وضعهم القانوني، أما شراء المواطنين للأراضي الزراعية لبناء السكن فيها، فهي مخالفة قانونية يترتب عليها إجراءات قضائية". 

ويوجد 4 آلاف مجمع عشوائي في عموم العراق، تضم 522 ألف وحدة سكنية، ربعها في العاصمة بغداد، وبواقع 1022 عشوائية، تليها البصرة بواقع 700 مجمع عشوائي، وفقاً لإحصائيات وزارة التخطيط.

وتبلغ مساحة الأراضي الزراعية المستغلة في العراق 18 مليون دونم من أصل 32 مليون دونم، حسب تصريحات لوزير الزراعة السابق، محمد كريم الخفاجي، بعد أن كانت تستغل كلها قبل عام 2003.

أما مساحة الغابات الطبيعية والاصطناعية فتشكل نسبة 6.1 في المائة فقط من إجمالي مساحة العراق، بحسب ما أفاد الجهاز المركزي للإحصاء الحكومي عام 2020، الذي أشار إلى تدهور نسبة 69 في المائة من المساحات الزراعية بسب الجفاف وتعرض مساحات كبيرة منها لتجريف وتصحر.

تمور مهددة بالانقراض

وفي السياق ذاته، يقول أمين سر اتحاد الجمعيات الفلاحية في محافظة البصرة، توفيق علي، إن "المساحات الزراعية والبساتين في البصرة تقلصت وتحوّلت إلى مساكن، ما أدى إلى قلة النخيل وبالتالي تراجع إنتاج التمور".

ويوضح علي لوكالة شفق نيوز، أن "ربع مساحة بساتين النخيل في محافظة البصرة جرى تجريفها وأصبحت مساكن، وقسم منها انضم إلى التصميم الأساسي للمدن، لأن البلديات توسعت عليها في مناطق شط العرب والنشوة وأبو الخصيب، ما أثر على المساحة المزروعة بالنخيل".

وعن أبرز التمور المهددة بالانقراض بسبب التجريف، يؤكد أن "الكثير من التمور التي كانت مستخدمة في البصرة أو المنتجة بشكل أساسي في المحافظة منها (الساير والزهدي والديري والحلاوي) باتت أصنافاً نادرة".

ويشير إلى أن "مجلس الوزراء أصدر قراراً بمنع تجريف بساتين النخيل وعاقب بأشد العقوبات على المخالفين، كما تم تشكيل لجان في كل المحافظات، وفي محافظة البصرة هناك لجنة يرأسها المحافظ بعضوية مدراء الزراعة والموارد المائية واتحاد الجمعيات الفلاحية وكل المعنيين بشؤون الزراعة لمتابعة قضية تجريف بساتين النخيل".

وكانت أعداد أشجار النخيل في العراق، وفق إحصائيات أجريت في سبعينيات القرن الماضي، تصل إلى حوالي 50 مليون نخلة، إلا أنّ الحروب والظروف الصعبة والحصار الاقتصادي في تسعينيات القرن الماضي تسبب في تراجع العدد إلى حوالي 30 مليون نخلة بحسب إحصاء تقريبي أجري عام 2002، واستمر تناقص أعداد النخيل حتى وصل إلى 16 مليون نخلة فقط في عموم البلاد، وفق إحصاء عام 2014.

كربلاء والتجريف

وكان مجلس محافظة كربلاء، صوت أمس الثلاثاء، على قرار منع التفتيت والحفاظ على الأراضي الزراعية ودعم وتعضيد الإجراءات المتخذة من قبل المحافظ والسلطة القضائية بما يحقق الحفاظ على هوية المحافظة الزراعية.

جاء ذلك خلال جلسة مجلس محافظة كربلاء التي عقدها أمس لمناقشة عدد من القوانين، وفق ما أفاد به نائب رئيس المجلس محفوظ التميمي في بيان ورد لوكالة شفق نيوز.

أزمات القطاع الزراعي

ويواجه القطاع الزراعي في العراق أزمات عديدة، منها حالة الجفاف بسبب التغيرات المناخية، وشُحّ المياه في دجلة والفرات بسبب حجز الدول المجاورة كميات كبيرة من حصص العراق.

وفي تصريح صدر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، في وقتٍ سابق صنف فيه العراق بالمرتبة الخامسة بين أكثر دول العالم تأثراً بالمتغيرات المناخية، بسبب ارتفاع درجات الحرارة القياسي، والذي يؤدي إلى فقدان العراق نحو 400 ألف دونم من الأراضي الزراعية سنوياً بسبب هذه المتغيرات.

وبحسب تقديرات الحكومة، فإنّ التصحر في العراق وصل إلى نسبة 39%، فيما تهدّد زيادة ملوحة التربة القطاع الزراعي 54% من الأراضي المزروعة، الأمر الذي يزيد من مخاوف فقدان أغلب المساحات الخضراء في عموم أنحاء المحافظات في البلاد.

وحسب بيانات سابقة لدائرة الغابات ومكافحة التصحر في وزارة الزراعة، فإن انحسار الأمطار وانخفاض إطلاقات المياه من دول المنبع، أديا إلى تقليل الخطة الزراعية، ما أسهم في تصحر الأراضي بالبلد بسبب انعدام إنتاجيتها.

وأكدت أن مساحة الأراضي المتصحرة في البلد بلغت نحو 27 مليون دونم، أي ما يعادل تقريباً 15‎% من مساحة العراق، مؤكدة أن نحو 55‎% من مساحة العراق تُعَدّ أراضي مهددة بالتصحر خلال الفترة المقبلة.

Shafaq Live
Shafaq Live
Radio radio icon